للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضع، الدّالِّ ذكرُه على التّعريض بطلب المغفرة في غير حينها، وقد فاتت. فإنّه لو قال: وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور (١) الرّحيم، كان في هذا من الاستعطاف والتّعريض بطلب المغفرة لمن لا يستحقُّها ما ينزَّه عنه منصبُ المسيح، لا سيّما والموقف موقف عظمةٍ وجلالةٍ، وموقف انتقامٍ ممّن جعل لله ولدًا، واتّخذه إلهًا من دونه. فذكرُ العزّة والحكمة فيه أليقُ من ذكر المغفرة والرّحمة (٢).

وهذا بخلاف قول الخليل صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٥ - ٣٦]. ولم يقل: فإنّك عزيزٌ حكيمٌ، لأنّ المقام مقام استعطافٍ وتعريضٍ بالدُّعاء، أي إن تغفر له وترحمه بأن توفِّقه للرُّجوع من الشِّرك إلى التّوحيد، ومن المعصية إلى الطّاعة، كما في الحديث: "اللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون" (٣).

وفي هذا أظهر الدِّلالة على أنّ أسماء الرَّبِّ تعالى مشتقّةٌ من أوصافٍ ومعانٍ قامت به، وأنَّ كلَّ اسمٍ يناسب ما ذُكِر معه واقترَن به من فعله وأمره. والله الموفِّق للصّواب.


(١) انتهى السقط في ل.
(٢) سيأتي الكلام على هذه الآية بتفصيل أكثر في منزلة الأدب (٢/ ١٤٦). وانظر: "مفتاح دار السعادة" (٢/ ١١٣٣ - ١١٣٤) و"الرُّوح" (٢/ ٦٨٠).
(٣) أخرجه البخاري (٣٤٧٧)، ومسلم (١٧٩٢) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>