للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورضوانِه. فلا نسبة لِلَذَّةِ ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصُّور إلى هذه اللَّذَّة أبدًا، فأيسر يسيرٍ من رضوانه أكبر من الجنان وما فيها من ذلك، كما قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: ٧٢]، وأتى به منكَّرًا في سياق الإثبات، أي: أيُّ شيءٍ كان من رضاه عن عبده فهو أكبر من الجنَّة.

قليلٌ منك يقنعني ولكن ... قليلك لا يقال له قليلُ (١)

وفي الحديث الصحيح حديث الرُّؤية: «فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى وجهه» (٢). وفي حديثٍ آخرَ أنَّه سبحانه إذا تجلَّى لهم ورأوا وجهَه عِيانًا، نَسُوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه، ولم يلتفتوا إليه (٣). ولا ريب أنّ الأمر هكذا. وهو أجلُّ ممَّا يخطر بالبال أو يدور في الخيال، ولا سيَّما عند فوز المحبِّين هناك بمعيّة المحبَّة، فإنَّ المرء مع مَن أحبَّ (٤)، ولا تخصيص في هذا الحكم، بل هو ثابتٌ شاهدًا وغائبًا.

فأيُّ نعيم، وأيُّ لذَّةٍ، وأيُّ قرَّةِ عينٍ، وأيُّ فوزٍ يداني نعيم تلك المعيَّةِ ولذَّتَها وقرَّةَ العين بها؟ وهل فوق نعيم قرَّةِ العين بمعيَّة المحبوب الذي لا


(١) البيت بلا نسبة في «الإبانة» للعميدي (ص ٣٦)، و «الصبح المنبي» (ص ٢١٢).
(٢) أخرجه مسلم (١٨١) من حديث صهيب بنحوه، واللفظ أشبه برواية أحمد (١٨٩٤١) والترمذي (٢٥٥٢).
(٣) روي ذلك من حديث جابر عند ابن ماجه (١٨٤) بإسناد واهٍ، ومن حديث ابن عمر عند عبد بن حُميد في «مسنده» (٨٥١) وعثمان الدارمي في «النقض على المريسي» (ص ٢٢٩) بإسناد مُعضَل. وفي الباب قول الحسن البصري موقوفًا عليه، أخرجه الآجُرِّي في «الشريعة» (٥٧٢).
(٤) كما في حديث ابن مسعود عند البخاري (٦١٦٩) ومسلم (٢٦٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>