للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وأيضًا فإنه سبحانه يحبُّ من عباده أن يسألوه جنَّته ويستعيذوه من ناره، فإنّه يحبُّ أن يسأل، ومن لم يسأله يغضَبْ عليه، وأعظم ما سئل الجنَّةُ وأعظم ما استعيذ به منه النار. فالعمل لطلب الجنة محبوبٌ للربِّ مرضيٌّ له، وطلبها عبودية للربِّ، والقيام بعبوديَّته كلِّها أولى من تعطيل بعضها.

قالوا: وإذا خلا العامل عن ملاحظة الجنَّة والنار، وطلبِ الجنَّة ورجائها (١) = فترت عزائمه، وضَعُفت همَّته، و (٢) وَهَى باعثُه. وكلَّما كان أشدَّ طلبًا للجنة وعملًا لها كان الباعث له أقوى، والهمَّةُ أشدَّ، والسعيُ أتمَّ. وهذا أمر معلوم بالذَّوق.

قالوا: ولو لم يكن هذا مطلوبًا للشارع لما وصف الجنَّة للعباد وزيَّنها لهم وعرضها عليهم، وأخبرهم عن تفاصيل ما تصل إليه عقولهم منها، وما عداه أخبرهم به مجملًا. كلُّ هذا تشويقًا لهم إليها، وحثًّا لهم على السعي لها سعيَها.

قالوا: وقد قال تعالى: {(٢٤) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ} [يونس: ٢٥]. وهذا حثٌّ على إجابة هذه الدعوة والمبادرةِ إليها والمسارعةِ في الإجابة.

والتحقيق أن يقال: الجنَّة ليست اسمًا لمجرَّد الأشجار والفواكه، والطعام والشراب، والحور العين، والأنهار والقصور. وأكثر الناس يغلطون في مسمَّى الجنَّة، فإنَّ الجنّة اسمٌ لدار النعيم المطلق الكامل. ومن أعظم نعيم الجنَّة: التمتُّع بالنظر إلى وجه الرب وسماعِ كلامه، وقرَّةُ العين بالقرب منه


(١) السياق في ع: «عن ملاحظة الجنة والنار، ورجاء هذه والهرب من هذه».
(٢) واو العطف ساقطة من جميع النسخ عدا ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>