للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وهم بالمدينة، حبَسهم العذرُ". وله نظائر في الحديث. فتنزيلُ العاجزِ عن المعصية، التّاركِ لها قهرًا ــ مع نيّته تركَها اختيارًا لو أمكنته ــ منزلةَ التَّاركِ المختارِ أولى.

يوضِّحه: أنَّ مفسدةَ الذَّنب التي يترتَّب عليها الوعيدُ تنشأ من العزم عليه تارةً ومن فعله تارةً، ومنشأُ المفسدة معدومٌ في حقِّ هذا العاجز فعلًا وعزمًا، والعقوبةُ تابعةٌ للمفسدة.

وأيضًا فإنَّ هذا تعذَّر منه الفعلُ، لم يتعذَّر منه التَّمنِّي والوِدادُ، فإذا كان يتمنّى ويودُّ لو واقَعَ الذَّنبَ، ومن نيَّته أنَّه (١) لو كان سليمًا لباشَرَه، فتوبتُه بالإقلاع عن هذا الوِداد والتَّمنِّي والحزنِ على فوته، فإنَّ الإصرارَ متصوَّرٌ في حقِّه قطعًا، فيتصوَّر (٢) في حقِّه ضدُّه وهو التَّوبة، بل هي أولى بالإمكان والتَّصوُّر من الإصرار. وهذا واضحٌ.

والفرقُ بين هذا وبين المعايِن ومَن ورد القيامة: أنَّ التَّكليفَ قد انقطع بالمعاينة ووِرْدِ القيامة (٣)، والتَّوبةُ إنّما تكون في زمن التَّكليف، وهذا العاجز لم ينقطع عنه التّكليفُ، فالأوامر والنّواهي لازمةٌ له، والكفُّ متصوَّرٌ منه عن التّمنِّي والوِداد والأسفِ على فوته، وتبديلُ ذلك بالنَّدَم والحزنِ على فعله. والله أعلم.


(١) "أنه" من ع.
(٢) ش: "فيتعيَّن"، ولعله تحريف.
(٣) ج، م، ع: "ورود القيامة".

<<  <  ج: ص:  >  >>