للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولأنَّ الذَّنبَ عزمٌ جازمٌ على فعل المحرَّم يقترن به فعلُه المقدورُ، والتَّوبةُ منه (١) عزمٌ جازمٌ على التَّرك المقدور يقترن به التَّركُ، والعزمُ على غير المقدور محالٌ، والتَّركُ في حقِّ هذا ضروريٌّ لازمٌ غيرُ مقدورٍ له، بل هو بمنزلة تركه للطيران إلى السَّماء وحملِ الجبال (٢) ونحو ذلك.

والقول الثَّاني ــ وهو الصَّواب ــ أنَّ توبتَه صحيحةٌ ممكنةٌ، بل واقعةٌ؛ فإنَّ أركانَ التَّوبة مجتمعةٌ فيه، والمقدورُ له منها النَّدم. وفي "المسند" (٣) مرفوعًا: "النَّدَمُ توبةٌ". فإذا تحقَّق ندمُه على الذَّنب ولومُه نفسَه عليه، فهذه توبتُه. وكيف يصحُّ أن تُسلَب التَّوبةُ عنه، مع شدَّة ندمه على الذَّنب، ولومِه نفسَه عليه؟ ولا سيَّما ما يتبعُ ذلك من بكائه وحزنه (٤) وخوفه، وعزمِه الجازم، ونيَّتِه أنّه لو كان صحيحًا والفعلُ مقدورًا له= لما فَعَله.

وإذا كان الشّارعُ قد نزَّل العاجزَ عن الطَّاعة منزلةَ الفاعل لها إذا صحَّت نيّتُه، كقوله في الحديث الصَّحيح: "إذا مرِض العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له ما كان يعملُ صحيحًا مقيمًا" (٥)، وفي "الصّحيح" (٦) أيضًا عنه: "إنّ بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلّا كانوا معكم". قالوا: وهم بالمدينة؟ قال:


(١) "منه" ساقط من ش.
(٢) ع: "ضروري ولازم غير مقدور، بل ... ترك الطيران ... ونقل الجبال".
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) "وحزنه" من ع.
(٥) أخرجه البخاري (٢٩٩٦) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.
(٦) أخرجه البخاري (٤٤٢٣) من حديث أنس - رضي الله عنه -. وانظر: حديث جابر - رضي الله عنه - في "صحيح مسلم" (١٩١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>