للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "المسند" (١) وغيره عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ الله يقبل توبةَ العبد ما لم يُغَرْغِر".

وفي نسخة دَرَّاجٍ عن أبي الهيثَم عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: "إنَّ الشَّيطانَ قال: وعِزَّتِكَ يا ربِّ، لا أبرح أُغوي عبادَك ما دامت أرواحُهم في أجسادهم. فقال الرّبُّ: وعزَّتي وجَلالي وارتفاع مكاني، لا أزال أغفرُ لهم ما استغفروني" (٢).

فهذا شأنُ التّائب من قريبٍ. وأمَّا إذا وقع في السِّياق فقال: إنِّي تبتُ الآن، لم تُقبَل توبتُه. وذلك لأنَّها توبةُ اضطرارٍ لا اختيارٍ، فهي كالتَّوبة بعد طلوع الشَّمس من مغربها، ويومَ القيامة، وعندَ معاينة بأس الله.

قالوا: ولأنَّ حقيقةَ التَّوبة هي: كفُّ النَّفس عن الفعل الذي هو متعلَّق النَّهي، والكفُّ إنّما يكون عن أمرٍ مقدورٍ، وأمّا المحالُ فلا يُعقَل كفُّ النَّفس عنه؛ ولأنَّ التّوبةَ هي الإقلاعُ عن الذَّنب، وهذا لا يتصوَّر منه الإيقاعُ حتَّى يتأتّى منه الإقلاع.


(١) برقم (٦١٦٠، ٦٤٠٨) من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن ابن عمر به. وأخرجه أيضًا الترمذي (٣٥٣٧) وابن ماجه (٤٢٥٣) وابن حبان (٦٢٨) وغيرهم من طرق عن ابن ثوبان به. وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب، قال أحمد: "أحاديثه مناكير"، وقد تفرد بهذا الحديث ولم يُتابَع عليه. انظر: "الكامل" (٧/ ١٣٥ - ١٣٦) و"الميزان" (٢/ ٥٥١ - ٥٥٢) و"تهذيب التهذيب" (٦/ ١٥١).
(٢) أخرجه أحمد (١١٢٣٧) وغيره، وقال أحمد: "أحاديث درَّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف" كما في "الكامل" لابن عدي (٤/ ٤٨٦). وأخرجه أيضًا أحمد (١١٢٤٤، ١١٣٦٧) وغيره من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أبي سعيد به، وعمرو فيه لين ولم يدرك أبا سعيد. وينظر: "الصحيحة" (١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>