للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ومن المستقِرِّ في فِطَر النَّاس وعقولهم أنَّ توبةَ المفاليس وأصحاب الجوائح توبةٌ غيرُ معتبرةٍ، ولا يُحمَدون عليها، ولهذا يسمُّونها "توبةَ إفلاسٍ"، و"توبةَ جائحةٍ". قال الشَّاعر:

ورحتُ عن توبته سائلًا ... وجدتُها توبةَ إفلاسِ (١)

قالوا: ويدلُّ على هذا أيضًا أنَّ النُّصوصَ المتظافرةَ المتظاهرَة قد دلَّت على أنَّ التَّوبةَ عند المعاينة لا تنفع، لأنَّها توبةُ ضرورةٍ لا اختيارٍ. قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: ١٧ - ١٨]. والجَهالةُ هاهنا: جهالةُ العمل، وإن كان عالمًا بالتّحريم. قال قتادة - رضي الله عنه -: أجمع أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنَّ كلَّ ما عُصِيَ الله به فهو جهالةٌ، عمدًا كان أو لم يكن. وكلُّ مَن عصى الله فهو جاهلٌ (٢).

وأمَّا التَّوبةُ من قريبٍ، فجمهور المفسِّرين على أنّها التَّوبةُ قبلَ المعاينة. قال عكرمة: قبل الموت. قال الضَّحَّاك: قبلَ معاينة مَلك الموت. وقال السُّدِّيُّ والكلبيُّ: أن يتوب في صحَّته قبلَ مرض موته (٣).


(١) من أربعة أبيات للبهاء زهير في "ديوانه" (ص ١٤٤ - دار المعارف).
(٢) "تفسير البغوي" (٢/ ١٨٤).
(٣) انظر هذه الأقوال في المصدر السابق، وعنه نقل المؤلف الحديثين الآتيين أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>