للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا المسجد، فقال: ما هو؟ قال: «إنّ الله يحبُّ الأخفياء الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يُفْتَقدوا، وإذا حضروا لم يُعرَفوا، قلوبُهم مصابيح الهدى يخرجون مِن كلِّ فتنةٍ عَمياء مظلمةٍ» (١).

فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلّتهم في النّاس جدًّا سُمُّوا غرباء، فإنّ أكثر النّاس على غير هذه الصِّفات، فأهل الإسلام في النّاس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهلُ العلم في المؤمنين غرباء، وأهلُ السُّنّة الذين يميِّزونها من الأهواء والبدع فيهم غرباء، والدّاعون إليها الصّابرون على أذى المخالفين لهم أشدُّ هؤلاء غربةً، ولكنّ هؤلاء هم أهل الله حقًّا، فلا غربة عليهم، وإنّما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله فيهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: ١١٦]، فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم، كما قيل (٢):

فليس غريبًا من تناءت ديارُه ... ولكنّ مَن تَنْأين عنه غريبُ


(١) رواه الآجرّي في «الغرباء» (ص ٥٢) من هذه الطريق، وأخرجه ابن ماجه (٣٩٨٩)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١٧٩٨)، والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ١٥٣)، والحاكمُ: (٤/ ٣٢٨)، من طرق عن عيسى بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب به، وعيسى متروك الحديث. وله طريق آخرى أخرجها الحاكم (١/ ٤)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (١٠٤٦) وغيرهم من طريق الليث بن سعد عن عياش بن عباس عن زيد بن أسلم به. وسنده صحيح إن ثبت سماع عياش من زيد.
(٢) «كما قيل» ليست في ش. والبيت لامرئ القيس «ديوانه» (٢/ ٧٣٣ - الحاشية). وعجزه في ت: «بلى من تناءت عنه فهو غريب».

<<  <  ج: ص:  >  >>