للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أتى العبدُ بفرضٍ وترَكَ فرضًا آخر لاستحقَّ العقوبةَ على ما تركه دون ما فعَلَه. فهكذا إذا تاب من ذنبٍ وأصرَّ على آخر، لأنَّ التَّوبةَ فرضٌ من الذَّنبين، فقد أدَّى أحدَ الفرضين وترَكَ الآخر، فلا يكون ما ترك مُوجِبًا لبطلان ما فعل، كمن ترك الحجَّ وأتى بالصَّلاة والصِّيام والزَّكاة.

والآخرون يجيبون عن هذا بأنَّ التَّوبةَ فعلٌ واحدٌ، معناه: الإقلاعُ عمَّا يكرهه الله تعالى، والنّدمُ عليه، والرُّجوعُ إلى طاعته. فإذا لم توجد بكمالها لم تكن صحيحةً، إذ هي عبادةٌ واحدةٌ. فالإتيانُ ببعضها وبعضِ واجباتها كالإتيان ببعض العبادة الواجبة وتركِ بعضها، فإنَّ ارتباط أجزاء العبادة الواحدة بعضِها ببعضٍ أشدُّ من ارتباط العبادات المتنوِّعات بعضِها ببعضٍ.

وأصحابُ القول الآخر يقولون: كلُّ ذنبٍ له توبةٌ تخصُّه، وهي فرضٌ منه، لا تتعلّق بالتَّوبة من الآخر، كما لا يتعلّق أحدُ الذَّنبين بالآخر.

والَّذي عندي في هذه المسألة: أنَّ التَّوبةَ لا تصحُّ من ذنبٍ مع الإصرار على آخَر من نوعه. وأمَّا التَّوبةُ من ذنبٍ مع مباشرةِ آخرَ لا تعلُّقَ له به ولا هو من نوعه، فتصحُّ (١). كما إذا تاب من الرِّبا، ولم يتُب من شرب الخمر مثلًا، فإنَّ توبتَه من الرِّبا صحيحةٌ. وأمّا إذا تاب من ربا الفضل، وأصرَّ على ربا النَّسيئة (٢)، أو بالعكس، أو تاب من تناول الحشيشة وأصرَّ على شرب الخمر، أو بالعكس= فهذا لا تصحُّ توبته. وهو كمن يتوب عن الزِّنى بامرأةٍ، وهو مصرٌّ على الزِّنى بغيرها غيرُ تائبٍ منه، أو تاب من شرب عصير العنب


(١) وهذا الذي اختاره الحليمي في "المنهاج" (٣/ ١٢٩).
(٢) السياق في ع: "ولم يتب من ربا النسيئة وأصرَّ عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>