للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (والغنى عن الاستدلال) أي: هو مستغنٍ بمشاهدة المدلول عليه (١) عن طلب الدليل، فإنَّ طالب الدليل إنَّما يطلبه ليصل به إلى معرفة المدلول، فإذا كان مشاهدًا للمدلول، فما له ولطلب الدليل؟

وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ ... إذا احتاج النهار إلى دليلِ (٢)

فكيف يحتاج إلى إقامة الدليل عليه مَن النهارُ بعضُ آياته الدالَّةِ عليه؟ {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: ٣٧]. ولهذا خاطبت الرُّسل قومهم خطابَ من لا يشكُّ في ربِّه ولا يرتاب في وجوده، فقالت لهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} [إبراهيم: ١٠].

قوله: (ويسقط عنه (٣) شتات الأسرار) يعني: أنَّ الخلاصَ من الاعتلال والغَناءَ (٤) باتِّصال الشُّهود عن الاستدلال يُسقط عنه شتات الأسرار، وهو تفرُّقُ باله وتشتُّت قلبِه في الأكوان؛ فإنَّ اتِّصال شهوده يجمعه على المشهود، كما أنَّ دوام الذِّكر الذي تواطأ عليه القلبُ واللِّسانُ وشهودُ المذكور يجمعه عليه ويُسقط شتاته، فالشّتات مصحوب الغيبة، وسقوطه مصحوب الحضور، والله المستعان (٥).


(١) «عليه» من ت، ر.
(٢) البيت للمتنبِّي في «ديوانه» (٣/ ٢١٥).
(٣) لفظ «المنازل» كما سبق: «وسقوطُ».
(٤) تصحَّف في ر، والمطبوعات إلى «الفناء»! وقد سبق آنفًا في كلام صاحب «المنازل»: «والغِنى عن الاستدلال».
(٥) «والله المستعان» ليست في د.

<<  <  ج: ص:  >  >>