للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تقطَعْه قَطَعك (١).

ثمّ بيّن الشّيخ - رحمه الله - السّببَ في كون هذه الغيرة قاتلةً، فقال: «فإنّ الوقت وَحِيُّ التّقضِّي»، أي سريع الانقضاء، كما تقول العرب: الوحَى الوحَى، أي: العجل العجل، والوحْيُ: الإعلام في خفاءٍ وسرعةٍ، ويقال: جاء فلانٌ وحيًا أي مجيئًا سريعًا.

فالوقت منقضٍ بذاته، مُتَصرِّمٌ (٢) بنفسه. فمن غفل عن نفسه تصرَّمتْ أوقاته، وعظم فَواته، واشتدّتْ حسراته. فكيف حاله إذا علم عند تحقُّق الفوت مقدارَ ما أضاع، وطلب الرُّجعى فحِيلَ بينه وبين الاسترجاع، وطلب تناول الفائت؟

وكيف يردُّ الأمس في اليوم الجديد؟ وأنّى له التّناوشُ من مكانٍ بعيدٍ؟ (٣) ومُنِع ممّا يحبُّه ويرتضيه، وعلم أنّ ما اقتناه ليس ممّا ينبغي للعاقل يقتنيه، وحِيلَ بينه وبين ما يشتهيه (٤).

فيا حَسَراتٍ ما إلى ردِّ مثلها ... سبيلٌ ولو رُدَّتْ لهانَ التَّحسُّرُ ... هي الشّهواتُ اللَّاءِ كانت تحوَّلتْ ... إلى حَسَراتٍ حينَ عَزَّ التّصبُّرُ


(١) ذكره المؤلف في «الداء والدواء» (ص ٣٥٨) عن الشافعي نقلًا عن الصوفية. وهو باختصار في «مناقب الشافعي» للبيهقي (٢/ ٢٠٨)، و «الرسالة القشيرية» (ص ٢٣٣)، و «تلبيس إبليس» (ص ٣٠١).
(٢) ت: «منصرم».
(٣) نظر إلى قوله تعالى: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: ٥٢].
(٤) كما في قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: ٥٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>