للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيُهلكها بظلمٍ منه (١). والمعنى على القول الأوّل: ما كان ليُهلكهم بظلمهم المتقدِّم، وهم مصلحون الآن. أي إنَّهم بعد أن أصلحوا وتابوا، لم يكن لِيُهلكهم بما سلَف منهم من الظُّلم. وعلى القول الثّاني: إنّه لم يكن ظالمًا لهم في إهلاكهم، فإنَّه لم يُهلِكهم وهم مصلحون، وإنّما أهلكهم وهم ظالمون. فهم الظّالمون بمخالفة (٢) رسُله، وهو العادل في إهلاكهم.

والقولان في آية الأنعام أيضًا: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا} [الأنعام: ١٣١] (٣). قيل: لم يكن مهلكَهم بظلمهم وشركهم، وهم غافلون لم يُنذَروا ولم يأتهم رسولٌ. وقيل: لم يهلكهم قبل التَّذكير بإرسال الرُّسُل، فيكون قد ظلَمهم؛ فإنّه سبحانه لا يأخذ أحدًا ولا يعاقبه إلّا بذنبه، وإنّما يكون مذنبًا إذا خالف أمره ونهيه، وذلك إنّما يُعلَم بالرُّسل.

فإذا شاهد العبدُ القدرَ السَّابقَ بالذَّنب علِمَ أنَّ الله سبحانه قدَّره سببًا مقتضيًا لأثره من العقوبة، كما قدَّر الطَّاعاتِ سببًا مقتضيًا للثَّواب. وكذلك تقديرُ سائر أسباب الخير والشّرِّ، كجعلِ السَّمِّ سببًا للموت، والنّارِ سببًا للإحراق، والماءِ للإغراق. فإذا أقدم العبد على سبب الهلاك، وقد عرَف أنّه سببُ الهلاك، فهلَك= فالحجّةُ مركّبةٌ عليه. فالمؤاخذةُ (٤) كالحريق مثلًا، والذَّنبُ كالنَّار، وإتيانُه كتقديمه نفسَه للنَّار. وملاحظةُ الحكم في هذا لا


(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٢٠٦).
(٢) ع: "لمخالفة".
(٣) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ١٩٠).
(٤) في ع أصلح: "والمؤاخذة".

<<  <  ج: ص:  >  >>