تُجدي عليه شيئًا، وإنّما الذي يُشْهِدُه قيامَ الحجّة عليه: ملاحظةُ الأمر، لا ملاحظةُ القدَر.
فجعلُ صاحبِ "المنازل" هذه اللَّطيفةَ من ملاحظة الجناية والقضيّة (١) ليس بالبيِّن، بل هو من ملاحظة الجناية والأمر. ولكن مراده أنَّ سرَّ التَّقدير أنَّه قد علِمَ أنَّ هذا العبدَ لا يصلح إلّا للوقود، كالشَّوك الذي لا يصلح إلّا للنّار، والشَّجرةُ تشتمل على الثَّمر والشَّوك، فاقتضى عدلُه سبحانه أن يسوق هذا العبدَ إلى ما لا يصلح إلّا له، وأن يقيمَ عليه حجّةَ عدله بأن قدَّر عليه الذَّنبَ فوَاقَعَه، فاستحقَّ ما خُلِقَ له.
قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: ٦٩ - ٧٠]. فأخبر سبحانه أنَّ النَّاس قسمانِ: حيٌّ قابلٌ للانتفاع، فإنه يقبل الإنذار وينتفع به. وميِّتٌ لا يقبل الإنذار ولا ينتفع به، لأنَّ أرضَه غيرُ زاكيةٍ ولا قابلةٍ للخير البتّةَ، فيحقُّ القولُ عليه بالعذاب. وتكون عقوبتُه بعد قيام الحجّة عليه، لا بمجرَّد كونه غير قابلٍ للهدى والإيمان، بل لأنّه غيرُ قابلٍ ولا فاعلٍ. وإنَّما يتبيَّن كونُه غيرَ قابلٍ بعد قيام الحجَّة عليه بالرَّسول، إذ لو عُذِّب بكونه غيرَ قابلٍ لقال: لو جاءني رسولٌ منك لامتثلتُ أمرَك. فأرسَلَ إليه رسولَه، فأمرَه ونهاه، فعصى الرّسولَ بكونه غيرَ قابلٍ للهدى، وعوقب بكونه غيرَ فاعلٍ، فحقَّ عليه القولُ أنّه لا يؤمن ولو جاءه الرَّسول، كما قال تعالى:{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[يونس: ٣٣]. وحقَّ عليه القول بالعذاب كما