للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالانفصال: انقطاع قلبه عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الربِّ منه، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله خوفًا منه، أو رغبةً فيه، أو مبالاةً وفكرًا فيه بحيث يَشْغَل قلبَه عن الله تعالى. والاتِّصال لا يصحُّ إلّا بعد هذا الانفصال. وهو اتِّصال القلب بالله وإقبالُه عليه وإقامةُ وجهه له حبًّا وخوفًا ورجاءً وإنابةً وتوكُّلًا.

ثمّ ذكر الشّيخ - رحمه الله - ما يعين على هذا التّجريد وبأيِّ شيءٍ يحصل فقال (١): (بحسم الرجاء بالرِّضا، وقطع الخوف بالتسليم، ورفض المبالاة بشهود الحقيقة).

يقول: إنَّ الذي يحسم مادَّة رجاء المخلوقين من قلبك هو الرِّضا بحكم الله عزَّ وجلَّ وقَسْمُه لك، ومن رضي بحكم الله وقسمه لم يبقَ لرجاء الخلق في قلبه موضع.

والذي يحسم مادَّة الخوف هو التسليم لله، فإنَّ من سلَّم لله واستسلم له، وعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنَّه لن يصيبه إلَّا ما كتب الله له= لم يبقَ لخوف المخلوقين في قلبه موضع أيضًا، فإنَّ نفسه التي (٢) يخاف عليها قد سلَّمها إلى وليِّها ومولاها، وعلم أنَّه لا (٣) يصيبها إلَّا ما كتب لها، وأنَّ ما كتب لها لا بدَّ أن يصيبها؛ فلا معنى للخوف من غير الله بوجهٍ.


(١) «المنازل» (ص ٢٥).
(٢) في النسخ عدا م، ن، ع: «الذي».
(٣) م، ش، ع: «لن».

<<  <  ج: ص:  >  >>