للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال، فإذا فَقَدها فليرجع إلى مطالعة الخطيئة وذكر الجناية. ولكلِّ وقتٍ ومقامٍ عبوديّةٌ تليق به.

ومنها: شهودُه حلمَ الله سبحانه وتعالى في إمهال راكب الخطيئة. ولو شاء لَعاجَلَه بالعقوبة، ولكنّه الحليم الذي لا يعجَل. فيُحدِث له ذلك معرفتَه سبحانه باسمه الحليم، ومشاهدةَ صفة الحلم، والتّعبدَ بهذا الاسم. والحكمةُ والمصلحةُ الحاصلةُ من ذلك بتوسُّط الذَّنب أحبُّ إلى الله، وأصلَحُ للعبد، وأنفَعُ له (١) من فوتها. ووجودُ الملزوم بدون لازمه ممتنعٌ.

ومنها: معرفةُ العبد كرمَ ربِّه في قبول العذر منه إذا اعتذر إليه بنحو ما تقدَّم من الاعتذار، لا بالقدَر فإنّه مخاصَمةٌ ومحاجَّةٌ كما تقدّم، فيقبل عذرَه بكرمه وجوده. فيوجب له ذلك اشتغالًا بذكره وشكره، ومحبّةً أخرى لم تكن حاصلةً له قبل ذلك، فإنَّ محبَّتَك لمن شكَرك على إحسانك وجازاك به، ثمَّ غفَر لك إساءَتك ولم يؤاخذك بها= أضعافُ محبَّتِك على شكر الإحسان وحده. والواقعُ شاهدٌ بذلك. فعبوديّة التّوبة بعد الذّنب لونٌ آخر.

ومنها: أن يشهد فضلَه في مغفرته، فإنَّ المغفرةَ فضلٌ من الله تعالى، وإلّا فلو وَاخَذَنا بالذَّنبِ لَوَاخَذَ (٢) بمحض حقِّه وكان عادلًا محمودًا، وإنّما غفره (٣) بفضله لا باستحقاقك. فيُوجِب لك ذلك أيضًا شكرًا له، ومحبّةً له، وإنابةً إليه، وفرحًا وابتهاجًا به، ومعرفةً له باسمه الغفّار، ومشاهدةً لهذه


(١) لم يرد "له" في ع.
(٢) كذا في جميع النسخ بتخفيف الهمزة.
(٣) ع: "عفوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>