للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عزيزٍ حميدٍ.

ومن شهود عزَّته أيضًا في قضائه: أن يشهدَ أنَّ الكمالَ والحمدَ والغناءَ التَّامَّ والعزَّةَ كلَّها لله، وأنَّه (١) هو نفسُه أولى بالنَّقص (٢) والذّمِّ والعَيب والظُّلم والحاجة. وكلَّما ازداد شهودُه لذلِّه ونقصه وعيبه وفقره، ازداد شهودُه لعزّة الله تعالى وكماله وحمده وغناه. وكذلك بالعكس. فنقصُ الذّنبِ وذلّتُه تُطلعه على مشهد العزَّة.

ومنها: أنَّ العبدَ لا يريد معصيةَ مولاه من حيث هي معصيةٌ، فإذا شهد جريانَ الحكم عليه وجَعْلَه فاعلًا لما هو غيرُ مختارٍ له ولا مريدٍ بإرادته ومشيئته واختياره، فكأنّه (٣) مختارٌ غيرُ مختارٍ، مريدٌ غيرُ مريدٍ، شاءٍ غيرُ شاءٍ= فهذا يُشْهِدُه عزّةَ الله وعظمتَه وكمالَ قدرته.

ومنها: أن يعرف برَّه سبحانه في سَتْره عليه حالَ ارتكاب المعصية، مع كمال رؤيته له، ولو شاء لَفَضَحه بين خلقه، فحَذِرُوه؛ وهذا (٤) من كمال بِرِّه، ومن أسمائه: البَرُّ. وهذا البِرُّ من سيِّده به مع كمالِ غناه عنه، وكمالِ فقر العبد إليه. فيشتغل بمطالعة هذه المنّة ومشاهدة هذا البِرِّ والإحسان والكرم، فيذهل عن ذُلِّ الخطيئة، فيبقى مع الله؛ وذلك أنفع له من اشتغاله بجنايته وشهودِ ذلِّ معصيته، فإنَّ الاشتغالَ بالله والغفلةَ عمَّا سواه هو المطلبُ الأعلى والمقصدُ الأسنى. ولا يُوجِب هذا نسيانَ الخطيئة مطلقًا، بل في هذه


(١) ع: "وأنَّ العبد".
(٢) ع: "بالتقصير".
(٣) ع: "وكأنه".
(٤) ج: "فهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>