للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المشهد (١) يُطْلِعُه على رياضٍ مُونقةٍ من المعارف والإيمان وأسرار القدر والحكمة، يضيقُ عن التَّعبير عنها نطاقُ الكَلِم.

فمن بعضها: ما ذكره الشَّيخ - رحمه الله - أن يعرف العبدُ عزَّتَه في قضائه. وهو أنّه سبحانه العزيزُ الذي يقضي ما يشاء، وأنّه بكمال (٢) عزِّه حكَم على العبد وقضى عليه بأن قلَّب قلبَه وصرَّف إرادتَه على ما يشاء، وحال بين العبد وقلبه، وجعلَه مريدًا شائيًا لما شاءه منه العزيز الحكيم. وهذا من كمال العزّة، إذ لا يقدر على ذلك إلّا الله تعالى. وغايةُ المخلوق أن يتصرَّف في بدنك وظاهرك، وأمَّا جعلُك مريدًا شائيًا لما يشاؤه منك ويريده (٣)، فلا يقدر عليه إلّا ذو العزّة الباهرة.

فإذا عرف العبدُ عزَّ سيِّده، ولاحظه بقلبه، وتمكَّن شهودُ ذلك (٤) منه= كان الاشتغالُ به عن ذلِّ المعصية أولى به وأنفع له، لأنّه يصير مع الله لا مع نفسه.

ومن معرفة عزّته في قضائه: أن يعرفَ أنّه مدبَّرٌ مقهورٌ، ناصيتُه بيد غيره، لا عصمةَ له إلّا بعصمته، ولا توفيقَ له إلّا بمعونته، فهو ذليلٌ حقيرٌ، في قبضة


(١) تكلم المؤلف على هذا المشهد في أكثر من كتاب له، فأشار في "مفتاح دار السعادة" (٢/ ٨١٠) أنه ذكر نحو أربعين حكمة في "الفتوحات القدسية" له، وانظر: "بدائع الفوائد" (٤/ ١٥٥٢). ثم ذكر في "المفتاح" أكثر من ثلاثين حكمة وبسط القول فيها. وذكرها في "طريق الهجرتين" (١/ ٣٦٢ - ٣٧٢) باختصار.
(٢) ع: "لكمال".
(٣) ع: "شاءه ... ". ج: "شاءه منك وأراده".
(٤) ج، م، ش، ع: "شهوده".

<<  <  ج: ص:  >  >>