للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبِّ، ولم يجد منه عوضًا سواه. وهذا حقيقة الفقر عند العارفين.

وكذلك «الغنى» هو غنى القلب بحصول محبوبه. وكذلك «الشّوق» إلى الله تعالى ولقائه، فإنّه لبُّ المحبّة وسرُّها. كما سيأتي.

فمنكرُ هذه المسألة ومُعطِّلها من القلوب معطِّلٌ لذلك كلِّه، وحجابه أكثفُ الحجب، وقلبه أقسى القلوب وأبعدُها عن الله. وهو منكرٌ لخلّة إبراهيم عليه السّلام. فإنّ (١) الخلّة كمال المحبّة، وهو يتأوّلُ الخليل بالمحتاج، فخليل الله عنده (٢) هو المحتاج. فكم ــ على قوله ــ لله من خليلٍ برٍّ وفاجرٍ، بل مؤمنٍ وكافرٍ، إذ كثيرٌ من الكفّار من يُنزِل حوائجَه كلّها بالله صغيرَها وكبيرَها، ويرى نفسه أحوجَ شيءٍ إلى ربِّه في كلِّ حالةٍ.

فلا بالخلّة أقرَّ المنكرون، ولا بالعبوديّة، ولا بتوحيد الإلهيّة، ولا بحقائق الإسلام والإيمان والإحسان. ولهذا ضحّى خالد بن عبد الله القَسْريُّ بمقدَّم هؤلاء وشيخهم جَعْد بن درهمٍ، وقال في يوم العيد الأكبر، عقيب خطبته: أيُّها النّاس، ضَحُّوا، تقبَّلَ الله ضحاياكم، فإنِّي مُضحٍّ بالجعد بن درهمٍ، إنّه زعم أنّ الله لم يتّخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلِّم موسى تكليمًا. تعالى الله عمّا يقول الجعد علوًّا كبيرًا. ثمّ نزل فذبحه (٣)، فشكر المسلمون سعيه. رحمه الله تعالى وتقبّل منه.


(١) ل: «فإنه».
(٢) ل: «عبده».
(٣) أخرج هذه القصة البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ٢٩، ٣٠)، وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>