للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (ولا يُغطِّيها حجابٌ)، الحجب (١) في لسان الطّائفة: النّفس وصفاتها وأحكامها، وهم مُجمِعون على أنّ النّفس من أعظم الحجب، بل هي الحجاب الأكبر، فإنّ حجاب الرّبِّ سبحانه عن ذاته هو النُّور، لو كشَفَه لأحرقَتْ سُبُحات وجهِه ما انتهى إليه بصرُه من خَلْقه (٢) وحجابه من عبده هو نفسه وظلمته، فلو كُشِف عنه هذا الحجاب لوصلَ إلى ربِّه.

والوصول عند القوم عبارةٌ عن ارتفاع هذا الحجاب وزواله. فالحجاب الذي يَشتدُّ على المحبِّ، ويشتدُّ عطشُه إلى زواله: هو حجاب الظُّلمة والنّفس، وهو الحجاب الذي بينه هو وبين الله.

وأمّا الحجاب الذي بين الله وبين خلقه هو حجاب النُّور، فلا سبيلَ إلى كشفه في هذا العالم البتّةَ، ولا يطمعُ في ذلك بشرٌ، ولم يُكلِّم الله بشرًا إلّا من وراء حجابٍ. وهذا الحجاب كاشفٌ للعبد، مُوصِلٌ له إلى مقام الإحسان الذي يُعبِّر عنه القوم بمقام المشاهدة. والأوّل ساترٌ للعبد، قاطعٌ له، حائلٌ بينه وبين الإحسان وحقيقة الإيمان.

والتّفرقة كلُّها عندهم حُجُبٌ، إلّا تفرقةً في الله وبالله ولله، فإنّها لا تَحجُب العبدَ عنه، بل تُوصِلُه إليه. فلذلك قال: (ولا يُغطِّيها حجابُ تفرقةٍ)، فإنّ التّفرقة إنّما تكون حجابًا إذا كانت بالنّفس ولها.

قوله: (ولا يُعرِّج دونها على انتظارٍ)، يعني: لا يُعرِّج المُشاهِدُ لما يشاهده على انتظار أمرٍ آخر وراءها، كما يُعرِّج المحبُّ المحجوبُ على


(١) ت: «الحجاب».
(٢) كما في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، الذي أخرجه مسلم (١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>