للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: مثِّلْ لي كيفَ تُقتبس الحياة الدّائمة من الحياة الفانية؟ وكيف يكون هذا؟ فإنِّي لا أفهمه.

قلت: وهذا أيضًا من نوم القلب، بل هو من موته، وهل تُقتبس الحياة الدّائمة إلّا من هذه الحياة الزّائلة؟ وأنت قد تُشعِل سراجك من سراجٍ آخر قد أشفى على الانطفاء، فيتَّقِد الثّاني ويضيء غايةَ الإضاءة، ويتّصل ضوؤه وينطفئ الأوّل. والمقتبس لحياته الدّائمة من حياته المنقطعة إنّما ينتقل من دارٍ منقطعةٍ إلى دارٍ باقيةٍ، وقد توسّط الموت بين الدّارين، فهو قنطرةٌ لا يعبُر إلى تلك الدّار إلّا عليها، وبابٌ لا يدخل إليها إلّا منه، فهما حياتان في دارين بينهما موتٌ. وكما أنّ نور تلك الدّار مقتبسٌ من نور هذه الدّار، فحياتها مقتبسةٌ من حياتها، فعلى قدر نور الإيمان في هذه الدّار يكون نور العبد في تلك الدّار، وعلى قدر حياته في هذه الدّار تكون حياته هناك.

نعم؛ هذا النُّور والحياة الذي يقتبس منه ذلك النُّور والحياة لا ينقطع، بل يتَّصل للعبد في البرزخ، وفي موقف القيامة، وعلى الصِّراط، فلا يفارقه إلى دار الحيوان، يُطفَأ نور الشّمس وهذا النُّور لا يُطفَأ، وتبطُل الحياة المحسوسة وهذه الحياة لا تبطُل. هذا أحد نوعي يقظة القلب.

النّوع الثّاني: يقظةٌ تبعث على حياةٍ، لا تدركها العبارة (١)، ولا ينالها التّوهُّم، ولا يطابق فيها اللّفظ لمعناه البتّة، والّذي يشار به إليها حياة المحبِّ مع حبيبه، الذي لا قِوامَ لقلبه وروحه وحياته إلّا به ولا غنًى له عنه طرفةَ عينٍ، ولا قرّةَ لعينه ولا طمأنينةَ لقلبه ولا سكونَ لروحه إلّا به (٢)، فهو أحوجُ


(١) «العبارة» ليست في ش، د.
(٢) «ولا غنى ... إلا به» ساقطة من ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>