إليه من سمعه وبصره وقوّته، بل ومن حياته، فإنّ حياته بدونه عذابٌ وآلامٌ، وهمومٌ وأحزانٌ، فحياته موقوفةٌ على قربه وحبِّه ومصاحبته، وعذابُ حجابه عنه أعظم من العذاب الآخر، كما أنّ نعيم القلب والرُّوح بإزالة ذلك الحجاب أعظم من النّعيم بالأكل والشُّرب والتّمتُّع بالحور العين، فهكذا عذاب الحجاب أعظم من عذاب الجحيم. ولهذا جمع سبحانه لأوليائه بين النّعيمين في قوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس: ٢٦]، فالحسنى الجنّة، والزِّيادة رؤية وجهه الكريم في جنّات عدنٍ. وجمع لأعدائه بين العذابين في قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: ١٥ - ١٦].
والمقصود: أنّ الغفلة هي نوم القلب عن طلب هذه الحياة، وهي حجابٌ عليه:
فإن كُشِفَ هذا الحجاب بالذِّكر وإلّا تكاثفَ حتّى يصير حجابَ بطالةٍ ولعبٍ واشتغالٍ بما لا يفيد.
فإن بادر إلى كشفه وإلّا تكاثف حتّى يصير حجابَ معاصٍ وذنوبٍ صغارٍ تُبعِده عن الله.
فإن بادر إلى كشفه وإلّا تكاثف حتّى يصير حجابَ كبائرَ توجب مقْتَ الرّبِّ تعالى وغضَبه ولعنته.
فإن بادر إلى كشفه وإلّا تكاثف حتّى يصير بدعًا عمليّةً يعذِّب العاملُ فيها نفسَه، ولا تُجدِي عليه شيئًا.
فإن بادر إلى كشفه وإلّا تكاثف حتّى صار حجابَ بدعٍ قوليّةٍ واعتقاديّةٍ؛