للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا اضطُرَّ أحدُهم إلى التَّفرقة بوارد الأمر قال: ينبغي أن يكون الفرقُ (١) على اللِّسان موجودًا، والجمعُ في القلب مشهودًا.

ثمّ من هؤلاء من يُسقط الأوامر والنّواهي جملةً، ويرى القيامَ بها من باب ضبط ناموس الشَّرع، ومصلحة العموم، ومبادئ السَّير؛ فهي التي تحُثُّ أهلَ الغفلة على التَّشمير للسَّير، فإذا جدَّ في السَّير استغنى بقربه (٢) وجمعيَّتِه عنها.

ومنهم من لا يرى سقوطها إلّا عمَّن شهد الحقيقةَ الكونيَّةَ، ووصل إلى مقام الفناء فيها، فمن كان هذا مشهدُه سقط عنه الأمرُ والنَّهيُ عندهم.

وقد يقولون: شهودُ الإرادة يُسْقِط الأمرَ. وفي هذا المشهد يقولون: العارف لا يستقبح قبيحةً، ولا يستحسن حسنةً. ويقول قائلهم: العارف لا يُنكِر منكرًا لاستبصاره بسرِّ الله تعالى في القدر. ويقولون: القيامُ بالعبادة مقامُ التَّلبيس، ويحتجُّون بقول الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٩] (٣).

وهذا من أقبح الجهل، فإنَّ هذا داخلٌ في جواب لو التي ينتفي بها الملزومُ ــ وهو المقدَّم ــ لانتفاء اللَّازم، وهو الجواب، وهو التّالي. فانتفاءُ جعلِ الرّسول ملَكًا ــ كما اقترحوه ــ لانتفاء التَّلبيس من الله تعالى عليهم، والكفّار كانوا قد قالوا: {(٧) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ} أي نعاينه ونراه، وإلّا فالملَكُ


(١) "الفرق" ساقط من ش.
(٢) ما عدا ع: "بفرقيته".
(٣) انظر للأقوال السابقة: "جامع الرسائل" (٢/ ١٢٥) وما تقدم في (ص ٢٥٣ - ٢٥٤) وما سيأتي من الكلام على مقام التلبيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>