للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يزل يأتيه من عند الله بأمره ونهيه، فهم اقترحوا نزولَ ملكٍ (١) يعاينونه (٢). فأخبر سبحانه عن الحكمة التي لأجلها لم يجعل رسولَه إليهم من الملائكة، ولا أنزل ملكًا يرونه، فقال: {مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ} [الأنعام: ٨] أي لوجب العذابُ وفُرِغَ من الأمر، ثمّ لا يُمهَلُون إن أقاموا على التّكذيب.

وهذا نظير قوله في الحِجْر: {وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. قال الله عزَّ وجلَّ: {مَا تَنَزَّل الْمَلَائِكَةَ (٣) إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} [الحجر: ٦ - ٨] والحقُّ هاهنا: العذاب.

ثمّ قال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٩]. أي لو أنزلنا عليهم ملكًا لجعلناه في صورة آدميٍّ، إذ لا يستطيعون التّلقِّيَ عن الملَكِ في صورته التي هو عليها، وحينئذٍ فيقع اللَّبسُ منَّا عليهم، لأنّهم لا يدرون أرجلٌ هو أم (٤) ملَكٌ؟ فلو جعلناه رجلًا لخلَطنا عليهم وشبَّهنا عليهم الذي طلبوه بغيره.

وقوله: {مَا يَلْبِسُونَ}، فيه قولان (٥):


(١) العبارة: "أي نعاينه ... نزول ملك" ساقطة من النسخ لانتقال النظر ما عدا ع.
(٢) ما عدا ع: "يعاينوه" بحذف نون الرفع.
(٣) هكذا في ق، ل على قراءة أبي عمرو وغيره.
(٤) ق، ل، م: "أو".
(٥) انظر القولين في "تفسير البغوي" (٣/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>