للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنّه جزاءٌ على لَبْسِهم على ضعفائهم (١)، والمعنى أنّهم كما شبَّهوا على ضعفائهم، ولبَّسوا عليهم الحقَّ بالباطل، يشبَّه عليهم، ويُلبَس (٢) عليهم الملَكُ بالرَّجل.

والثّاني: أنّا نلبِسُ عليهم ما لبَسوا على أنفسهم، فإنهم خلَطوا على أنفسهم، ولم يؤمنوا بالرَّسول - صلى الله عليه وسلم - (٣) منهم بعد معرفتهم صدقَه، وطلبوا رسولًا مَلكيًّا يعاينونه، وهذا تلبيسٌ منهم على أنفسهم؛ فلو أجبناهم (٤) إلى ما اقترحوه لم يؤمنوا عنده، وللَبَسْنا عليهم لَبْسَهم على أنفسهم.

فأيُّ تعلُّقٍ لهذا بالتّلبيس الذي ذكرته هذه الطّائفةُ من تعليق الكائنات والمثوبات والعقوبات بالأسباب، وتعليق المعارف بالوسائط، والقضايا بالحجج، والأحكام بالعلل، والانتقام بالجنايات، والمثوبات بالطَّاعات، ممّا هو محضُ الحكمة وموجَبُها، وأثر اسمه "الحكيم" في الخلق والأمر. والخلقُ والأمرُ إنّما قام بالأسباب، وكذلك الدُّنيا والآخرة، وكذلك الثّوابُ والعقابُ. فجعلُ الأسبابِ منصوبةً للتَّلبيس من أعظم الباطل شرعًا وقدرًا.

والذي أوقع هؤلاء في هذا الغلوِّ: نفرتُهم من أرباب الفرق الأوّل، ومشاهدتُهم قبيحَ (٥) ما هم عليه. وهم ــ لَعَمْرُ الله ــ خيرٌ منهم، مع ما هم عليه، فإنّهم مُقِرُّون بالجمع والفرق: أنَّ الله ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه وخالقُه،


(١) في الأصل وغيره: "صنعنا بهم"، وهو تصحيف ما أثبت من ع.
(٢) ج: "فاشتبه عليهم وتلبس".
(٣) في ج بعده زيادة: "عنادًا" وكذا في هامش ل.
(٤) ما عدا ع: "أجابهم".
(٥) ع: "قبح".

<<  <  ج: ص:  >  >>