الوجود، وبه ارتباطُ الأسباب ومسبَّباتها خلقًا وأمرًا. وقد جعل الله سبحانه لكلِّ ضدٍّ ضدًّا يدافعه ويقاومه، ويكون الحكمُ للأغلب منهما، فالقوّةُ مقتضيةٌ للصِّحّة والعافية، وفسادُ الأخلاط وبغيُها (١) مانعٌ من عملِ الطَّبيعة وفعلِ القوَّة، والحكمُ للغالب منهما. وكذلك قوى الأدوية والأمراض. والعبدُ يكون فيه مقتضٍ للصِّحّة ومقتضٍ للعطَب، وأحدُهما يمنع كمالَ تأثير الآخر ويقاومه، فإذا ترجَّح عليه وقَهرَه كان التّأثيرُ له.
ومن هاهنا يُعلَم انقسامُ الخلق إلى من يدخل الجنَّةَ ولا يدخل النَّارَ وعكسه، ومن يدخل النَّارَ ثمّ يخرُج منها ويكون مَكْثُه فيها بحسب ما فيه من مقتضي المَكْثِ في سرعة الخروج وبطئه.
ومن له بصيرةٌ منوَّرةٌ يرى بها كلَّ ما أخبر الله به في كتابه من أمر المعاد وتفاصيله حتَّى كأنَّه يشاهدُه رأيَ عينٍ، ويعلَمُ أنَّ هذا هو مقتضى إلهيَّته سبحانه وربوبيَّته وعزَّته وحكمته، وأنّه يستحيل عليه خلافُ ذلك، ونسبةُ خلاف ذلك إليه نسبةُ ما لا يليق به إليه. فيكون نسبةُ ذلك إلى بصيرته كنسبة الشَّمس والنُّجوم إلى بصره. وهذا يقينُ الإيمان، وهو الذي يُحرق السَّيِّئاتِ كما تُحرق النَّارُ الحطب.
وصاحبُ هذا المقام من الإيمان يستحيل إصرارُه على السَّيِّئات وإن وقعت منه وكثرت، فإنَّ ما معه من نور الإيمان يأمرُه بتجديد التَّوبة كلَّ وقتٍ والرُّجوعِ إلى الله بعدد أنفاسه. وهذا من أحبِّ الخلق إلى الله تعالى.
فهذه مجامعُ طرق النّاس في نصوص الوعيد.
(١) يعني هيجانها وغليانها. وفي ل، ج، ش: "نفيها"، تصحيف.