للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخلافَ الوعيد ذمًّا، بل جودًا وكرمًا. أمَا سمعتَ قولَ الشَّاعر (١):

ولا يَرْهَبُ ابنُ العمِّ ما عشتُ صَولتي ... ولا يختشي (٢) من صولةِ المتهدِّدِ

وإنِّي وإن أوعدتُه أو وعدتُه ... لَمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوعدي (٣)

وقالت فرقةٌ سابعةٌ: هذه النُّصوص وأمثالُها ممَّا ذُكِرَ فيه المقتضي للعقوبة، ولا يلزم من وجود مقتضي الحُكم وجودُه، فإنَّ الحكمَ إنّما يتمُّ بوجود مقتضيه وانتفاء مانعه. وغايةُ هذه النُّصوص: الإعلامُ بأنَّ كذا سببُ العقوبة ومقتضٍ لها؛ وقد قام الدَّليلُ على ذِكر الموانع، فبعضُها بالإجماع، وبعضُها بالنَّصِّ. فالتَّوبةُ مانعٌ بالإجماع، والتَّوحيدُ مانعٌ بالنُّصوص المتواترة التي لا مدفع لها، والحسناتُ العظيمةُ الماحيةُ مانعةٌ، والمصائبُ الكبارُ المكفِّرةُ مانعةٌ، وإقامةُ الحدود في الدُّنيا مانعٌ بالنَّصِّ. ولا سبيل إلى تعطيل هذه النُّصوص، فلا بدَّ من إعمال النُّصوص من الجانبين. ومن هاهنا قامت الموازنة بين الحسنات والسّيِّئات اعتبارًا لمقتضي العقاب ومانعِه، وإعمالًا لأرجحهما.

قالوا: وعلى هذا بناءُ مصالح الدَّارين ومفاسدهما، وعلى هذا بناءُ الأحكام الشَّرعيَّة والأحكام القدريَّة، وهو مقتضى الحكمة السَّارية في


(١) هو عامر بن الطفيل. انظر: "العقد" (١/ ٢٤٥)، و"اللسان" (ختأ، ختو)، وملحق "ديوانه" (ص ٦٦).
(٢) كذا في النسخ وبعض المراجع، والرواية: "يختتي" أو "أختتي".
(٣) أخرج الخبر الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (٢٠٤) والزجَّاجي في "مجالس العلماء" (ص ٦٢) وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٤/ ٣٠١) والخطيب في "تاريخه" (١٤/ ٦٣) وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>