وقالت فرقةٌ رابعةٌ: في الكلام إضمارٌ. قالوا: والإضمارُ في كلامهم كثيرٌ معروفٌ. ثمَّ اختلفوا في هذا المضمر، فقالت طائفةٌ بإضمار الشَّرط، والتَّقدير: فجزاؤه كذا إن جازاه أو إن شاء.
وقالت فرقةٌ خامسةٌ بإضمار الاستثناء، والتَّقديرُ: فجزاؤه كذلك إلّا أن يعفو. وهذه دعوى لا دليل في الكلام عليها البتّة, ولكنَّ إثباتَها بأمر خارجٍ عن اللّفظ.
وقالت فرقةٌ سادسةٌ: هذا وعيدٌ، وإخلافُ الوعيد لا يُذَمُّ بل يُمدَح. والله تعالى يجوز عليه إخلافُ الوعيد، ولا يجوز عليه إخلافُ الوعد. والفرقُ بينهما: أنَّ الوعيدَ حقُّه، فإخلافُه عفوٌ وهبةٌ وإسقاطٌ، وذلك موجَبُ كرمه وجوده وإحسانه. والوعدُ حقٌّ عليه أوجبه على نفسه، والله لا يُخلف الميعاد.
قالوا: ولهذا مدح به كعبُ بن زهيرٍ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول:
نبِّئتُ أنَّ رسولَ الله أوعَدَني ... والعفوُ عند رسول الله مأمولُ (١)
وتناظَر في هذه المسألة أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيدٍ، فقال عمرو بن عبيدٍ: يا أبا عمرٍو، لا يخلفُ الله وعدَه، وقد قال:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}[النساء: ٩٣]، فقال له أبو عمرٍو: ويحك يا عمرو، من العجمة أُتِيتَ! إنَّ العربَ لا تعُدُّ