على قبول الحقِّ، والانقياد له، والطُّمأنينة به (١)، والسُّكون إليه ومحبّته؛ وفطَرها على بغض الكذب والباطل، والنُّفور عنه، والرِّيبة به، وعدم السُّكون إليه. ولو بقيت الفطَرُ على حالها لما آثرت على الحقِّ سواه، ولما سكنت إلّا إليه، ولا اطمأنَّت إلّا به، ولا أحبَّت غيره.
ولهذا ندَب سبحانه عبادَه إلى تدبُّر القرآن، فإنَّ كلَّ من تدبَّره أوجب له تدبُّرُه علمًا ضروريًّا ويقينًا جازمًا: أنّه حقٌّ وصدقٌ، بل أحقُّ كلِّ حقٍّ، وأصدَقُ كلِّ صدقٍ؛ وأنَّ الذي جاء به أصدَقُ خلقِ الله، وأبرُّهم، وأكمَلُهم علمًا وعملًا ومعرفةً. قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢]. وقال تعالى: {(٢٣) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ} [محمد: ٢٤]. فلو رُفعت الأقفالُ عن القلوب لباشرتها حقائقُ القرآن، واستنارت فيها مصابيحُ الإيمان، وعلِمت علمًا ضروريًّا يكون عندها كسائر الأمور الوجدانيّة من الفرح والألم والحبِّ والخوف= أنّه من عند الله، تكلَّم به حقًّا، وبلَّغه رسولُه جبريلُ عنه إلى رسوله محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
فهذا الشّاهد في القلب من أعظم الشّواهد، وبه احتجَّ هرقلُ على أبي سفيان حيث قال له: فهل يرتدُّ أحدٌ منهم سخطةً لدينه، بعد أن يدخل فيه؟ فقال: لا. فقال له: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشتُه القلوبَ لا يسخطه أحدٌ.
وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[العنكبوت: ٤٩]، وقوله: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي