للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإلحاح ينافي حال الرِّضا ووصفه. وقد أثنى سبحانه على الذين لا يسألون النّاس (١)، فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسِبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣].

فقالت طائفةٌ: يسألون الناس ما تدعو حاجتهم إلى سؤاله، ولكن لا يُلْحِفون، فنفى الله عنهم سؤالَ الإلحافِ لا مطلقَ السُّؤال. قال ابن عبَّاس: إذا كان عنده غداءٌ لم (٢) يسأل عشاءً، وإذا كان عنده عشاء لم يسأل غداء (٣).

وقالت طائفة منهم الزجَّاج والفرَّاء وغيرهما: بل الآية اقتضت ترك السُّؤال مطلقًا، لأنّهم وُصفوا بالتعفُّف والمعرفة بسيماهم دون الإفصاح بالمسألة، لأنَّهم لو أفصحوا بالسُّؤال لم يحسبهم الجاهل أغنياء. ثمَّ اختلفوا في وجه قوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}:

فقال الزجَّاج (٤): لا يكون منهم سؤالٌ فيقعَ إلحاف. كما قال تعالى:


(١) زيد في ع: «إلحافًا».
(٢) ش: «لا».
(٣) ذكره الواحدي في «البسيط» (٤/ ٤٥٤) فقال: «قال ابن عباس في رواية عطاء»، ولم أجده مسندًا، والظاهر أن الواحدي نقله من التفسير الذي وضعه موسى بن عبد الرحمن الصنعاني ثم ألزقه كذبًا وزورًا بابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، كما بيَّنه محققوه في مقدمة التحقيق (١/ ١٤٦ - ١٤٩). وذكره الثعلبي في «الكشف والبيان» (٧/ ٣٥٣) عن عطاء مقطوعًا، وهو أيضًا اعتمد على كتاب موسى بن عبد الرحمن الصنعاني في نقل تفسير عطاء، كما صرَّح به في مقدمته (٢/ ٦٧ - ٦٨). والمؤلف صادر عن الواحدي هنا وفي الأقوال الآتية.
(٤) في «معاني القرآن» له (١/ ٣٥٧)، وليس فيه ولا في «البسيط» التنظير بالآيتين. وانظر: «البسيط» (٢/ ٤٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>