للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهما أنّ المكروه الذي يَرِد على القلب، إن كان لِما يُستقبَل أورثه الهمَّ، وإن كان لما مضى أورثه الحزن. وكلاهما مُضعف للقلب مُفتر للعزم.

ولكن نزول منزلته ضرورية (١) بحسب الواقع، ولهذا يقول أهل الجنَّة إذا دخلوها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: ٣٤]، فهذا يدلُّ على أنّهم كان يصيبهم في الدُّنيا الحزن، كما تصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم.

وأمَّا قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: ٩٢] (٢)، فلم يُمدَحوا على نفس الحزن، وإنّما مُدِحوا على ما دلَّ عليه الحزن من قوَّة إيمانهم حيث تخلَّفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريضٌ بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلُّفهم وغبطوا نفوسهم به.

وأمّا قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «ما يصيب المؤمن من همٍّ ولا نصبٍ ولا حزنٍ إلَّا كفَّر الله به من خطاياه» (٣)، فهذا يدلُّ على أنَّه مصيبةٌ من الله يصيب بها العبدَ يكفِّر بها من سيِّئاته؛ لا يدلُّ على أنَّه مقامٌ ينبغي طلبه واستيطانه.


(١) كذا في جميع النسخ، جعل الخبر عن المضاف إليه، والوجه: «ضروري» كما أثبته الفقي في طبعته.
(٢) هذه الآية أوردها الماتن في مطلع «باب الحزن».
(٣) أخرجه البخاري (٥٦٤١) ومسلم (٢٥٧٣) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>