للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا قوله: (صون بالعناية) أي حفظٌ بالاعتناء، والقيامُ بحقِّ الشيء الذي يرعاه، ومنه راعي الغنم.

وأما قوله: (رعاية الأعمال فتوفيرها بتحقيرها)، فالتوفير: سلامةٌ من طرفي التفريط بالنقص، والإفراط بالزِّيادة على الوجه المشروع في حدودها وصفاتها وشروطها وأوقاتها. وأمَّا تحقيرها فاستصغارها في عينه واستقلالها، وأنَّ ما يليق بعظمة الله وجلاله وحقوق عبوديَّته أمرٌ آخر، وأنَّه لم يوفِّه حقَّه، ولا يرضى لربِّه بعمله ولا بشيءٍ منه.

وقد قيل: علامة رضا الله عنك سخطك على نفسك (١)، وعلامة قبول العمل احتقاره واستقلاله وصغره في قلبك، حتى إنَّ العارف ليستغفر الله عقيب طاعاته. وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّم من الصّلاة استغفر ثلاثًا (٢). وأمر الله عباده بالاستغفار عقيب الحجِّ (٣)، ومدحهم على الاستغفار عقيب قيام الليل بالأسحار (٤). وشرع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للأمة عقيب الطُّهور التوبة والاستغفار (٥).


(١) ع: «إعراضك عن نفسك».
(٢) كما في حديث ثوبان عند مسلم (٥٩١).
(٣) في قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
(٤) في قوله: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
(٥) وذلك بقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك»، فإذا قالها: «طبع الله عليها بطابع، ثم رُفعت تحتَ العرش فلم تُكسَر إلى يوم القيامة». أخرجه ابن أبي شيبة (١٩) والنسائي في «الكبرى» (٩٨٢٩ - ٩٨٣١) والحاكم (١/ ٥٦٤) من حديث أبي سعيد الخدري على اختلاف في رفعه ووقفه، والموقوف هو الصواب كما قال النسائي والدارقطني في «العلل» (٢٣٠١)، على أن مثله مما لا يُقال من قِبَل الرأي، فهو في حكم المرفوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>