للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا عَدُّه (اليقين تشبُّعًا)؛ التشبُّع: افتخار الإنسان بما لا يملكه، ومنه قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «المتشبِّع بما لم يُعطَ كلابس ثوبَي زورٍ» (١)، وعدُّه اليقين تشبُّعًا يحتمل وجهين:

أحدهما: أنَّ ما حصل له من اليقين لم يكن به ولا منه، ولا استحقَّه بعوضٍ. وإنَّما هو فضل الله وعطاؤه، ووديعته عنده، ومجرَّد منَّته عليه، فهي خلعةٌ خلعها على عبده (٢)، والعبدُ وخلعتُه كلٌّ ملكُه وله (٣)، فما للعبد في البَيْن (٤) مدخل، وإنّما هو متشبِّعٌ بما هو ملكٌ لله وفضلٌ منه ومنَّته على عبده.

والوجه الثاني: أن يتَّهم يقينه، وأنّه لم يحصل له اليقين على الوجه الذي ينبغي، بل ما حصل له منه كالعارية غير (٥) الملك المستقرِّ، فهو متشبِّعٌ به تزعم نفسُه أنَّ اليقين مَلَكةٌ له، وليس كذلك. وهذا لا يختصُّ باليقين، بل بسائر الأحوال، فالصادق يَعُدُّ صدقه تشبُّعًا، وكذا المخلص وكذا العالِم، لاتِّهامه لصدقه وإخلاصه وعلمه، وأنَّه لم ترسخ قدمُه في ذلك، ولم تَحصُل له فيه مَلَكة، فهو كالمتشبِّع به (٦). ولمَّا كان اليقينُ روح الأعمال وعمودَها وذروةَ سنامها خصَّه بالذِّكر تنبيهًا على ما دونه.


(١) أخرجه البخاري (٥٢١٩) ومسلم (٢١٣٠) من حديث أسماء بنت أبي بكر.
(٢) ع: «عليه».
(٣) في ع زيادة: «وعطاؤه ووديعته».
(٤) كذا في النسخ. وفي المطبوعات: «اليقين».
(٥) «غير» ساقطة من ع ومكانها واو العطف، خطأ.
(٦) «به» ساقطة من م، ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>