للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المداناة، فإنَّ سرور القلب من الله وفرحَه وقرَّةَ العين به لا يشبهه شيءٌ من نعيم الدُّنيا البتة، وليس له نظيرٌ يقاس به. وهو حالٌ من أحوال الجنَّة (١)، حتَّى قال بعض العارفين: إنّه ليمرُّ بي أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهل الجنَّة في مثل هذا إنَّهم لفي عيشٍ طيِّب.

ولا ريب أنَّ هذا السُّرور يبعثه على دوام السَّير إلى الله وبذل الجهد في طلبه وابتغاء مرضاته، ومن لم يجد هذا السُّرور ولا شيئًا منه فليتَّهم إيمانَه وأعماله، فإنَّ للإيمان حلاوةً من لم يذقها فليرجع وليقتبس نورًا يجد به حلاوة الإيمان.

وقد ذكر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذوقَ طعم الإيمان ووَجْدَ حلاوته، فذكر الذوق والوجد وعلَّقه بالإيمان فقال: «ذاق طعمَ الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ رسولًا» (٢)، وقال: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، ومن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يُلقى في النار» (٣).

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة ــ قدَّس الله روحه ــ يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحًا فاتَّهمه، فإنَّ الربَّ تعالى شكورٌ. يعني: أنَّه لا بدَّ أن يثيب العامل على عمله في الدُّنيا مِن حلاوةٍ يجدها في قلبه وقوَّةٍ وانشراحٍ وقرَّةِ عينٍ، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخولٌ.


(١) م، ع: «أهل الجنة».
(٢) أخرجه مسلم (٣٤) من حديث العباس.
(٣) أخرجه البخاري (١٦) ومسلم (٤٦) من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>