للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعرفة والدِّين كإخراج الشعرة من العجين!

واعلم أنَّ المعرفة الصحيحة هي روح العلم، والحال الصحيح هي روح العمل المستقيم، فكلُّ حالٍ لا يكون نتيجةَ العمل المستقيم مطابقًا للعلم فهو بمنزلة الرُّوح الخبيثة الفاجرة. ولا ننكر أن تكون لهذه الرُّوح أحوالًا (١)، لكنَّ الشأن في مرتبة تلك الأحوال ومنازلها. ومتى عارض الحال حكمٌ من أحكام العلم، فذلك الحال إمَّا فاسد وإمَّا ناقص، ولا يكون مستقيمًا أبدًا.

فالعلم الصحيح والعلم المستقيم: هما ميزان المعرفة الصحيحة والحال الصحيح، وهما كالبدَنَين لروحَيهما.

فأحسن ما يحمل عليه قوله: (أن لا يجنح الحال إلى علم) أنَّ العلم يدعو إلى التفرقة دائمًا، والحال يدعو إلى الجمعيَّة، والقلب بين هذين الدّاعيين، فهو (٢) يجيب (٣) هذا مرَّةً وهذا مرَّةً، فتهذيب الحال وتصفيته: أن يجيب داعي الحال لا داعي العلم.

ولا يلزم من هذا إعراضُه عن العلم، وعدمُ تحكيمه والتسليمِ له، بل هو متعبِّدٌ بالعلم، محكِّمٌ له، مستسلمٌ له، غير مجيبٍ لداعيه من التفرقة. بل هو مجيبٌ لداعي الحال والجمعيَّة، آخذٌ من العلم ما يصحِّح له حاله وجمعيَّته، غير مستغرقٍ فيه استغراقَ مَن هو مَطْرَحُ همَّته وغايةُ مقصده، لا مطلوب له سواه، ولا مراد له إلَّا إيَّاه.


(١) كذا في النسخ. والجادة: «أحوال».
(٢) ساقط من ل.
(٣) ل، م، ش: «بحسب»، تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>