التوكُّل. ومن فسَّر التّوكُّل بها فإنّما فسَّره بأجلِّ ثمراته وأعظم فوائده، فإنَّه إذا توكَّل حقَّ التوكُّل رضي بما يفعله وكيله.
وكان شيخنا - رضي الله عنه - يقول: المقدور يكتنفه أمران: التوكُّل قبله، والرِّضا بعده، فمن توكَّل على الله قبل الفعل ورضي بالمقضيِّ له بعد الفعل فقد قام بالعبودية. أو معنى هذا (١).
قلت: وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في دعاء الاستخارة:«اللهمَّ إنِّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك»، فهذا توكُّل وتفويض. ثمَّ قال:«فإنَّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علَّام الغيوب»، فهذا تبرُّؤٌ إليه من العلم والحول والقوَّة، وتوسُّلٌ إليه سبحانه بصفاته التي هي أحبُّ ما توسَّل إليه بها المتوسِّلون. ثمَّ سأل ربَّه أن يقضي له ذلك الأمر إن كان فيه مصلحته عاجلًا وآجلًا، وأن يصرفه عنه إن كان فيه مضرَّته عاجلًا وآجلًا. فهذا هو حاجته التي سألها، فلم يبق عليه إلّا الرِّضا بما يقضيه له فقال:«واقدر لي الخير حيث كان ثمَّ رضِّني به».
فقد اشتمل هذا الدُّعاء على هذه المعارف الإلهيَّة والحقائق الإيمانيَّة التي من جملتها التوكُّل والتفويض قبل وقوع المقدور، والرِّضا بعده، وهو ثمرة التوكُّلِ والتفويضِ وعلامةُ صحَّته، فإن لم يرض بما قضى له فتفويضه معلول فاسد.
فباستكمال هذه الدرجات الثمان يستكمل العبد مقامَ التوكُّل، وتثبت قدمُه فيه. وهذا معنى قول بشرٍ الحافي: يقول أحدهم: توكَّلتُ على الله؛