للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه: اشتباه الثِّقة بالله بالغرَّة والعجز. والفرق بينهما: أنَّ الواثق بالله قد فعل ما أُمر به، ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها (١)، كغارس الشجر وباذر الأرض؛ والمغترُّ العاجز قد فرَّط فيما أُمر به، وزعم أنَّه واثقٌ بالله. والثِّقة إنما تصحُّ مع بذل المجهود.

ومنه: اشتباه الطُّمأنينة إلى الله والسُّكون إليه بالطُّمأنينة إلى المعلوم وسكون القلب إليه. ولا يميِّز بينهما إلَّا صاحب البصيرة، كما يُذكر عن أبي سليمان الداراني - رضي الله عنه - أنه رأى رجلًا بمكَّة ــ أعزَّها الله (٢) ــ لا يتناول شيئًا إلا شربةً من ماء زمزم، فمضى عليه أيام، فقال له أبو سليمان يومًا: أرأيت لو غارت زمزم، أيشٍ كنت تشرب؟ فقام وقبَّل رأسه وقال: جزاك الله خيرًا حيث أرشدتَني، فإنِّي كنت أعبد زمزم منذ أيام (٣)، ومضى (٤).

وأكثر المتوكِّلين سكونهم وطمأنينتهم إلى المعلوم، وهم يظنُّون أنه إلى الله، وعلامة ذلك أنّه متى انقطع معلومُ أحدهم حضره همُّه وبثُّه وخوفه. فعُلِم أنَّ طمأنينته وسكونه لم يكن إلى الله.

ومنه: اشتباه الرِّضا عن الله بكلِّ ما يفعل بعبده ممَّا يحبُّه ويكرهه بالعزم على ذلك وحديث النفس به، وذلك شيءٌ والحقيقة شيءٌ آخر. كما يحكى عن أبي سليمان - رضي الله عنه - أنَّه قال: أرجو أن أكون قد أُعطيت طرفًا من الرِّضا، لو أدخلني النَّار كنت بذلك راضيًا! فسمعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -


(١) في النسخ عدا ع: «وتنميته وتزكيته».
(٢) ج، ن: «شرَّفها الله». ولم ترد الجملة المعترضة في ل، ش، ع.
(٣) في ع زيادة: «ثم تركه»، وليست في مصدر النقل.
(٤) «القشيرية» (ص ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>