للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتقاده ونيَّته، وأن يكون متوكِّلًا على الله واثقًا به؛ فالدِّين كلُّه في هذين المقامين.

وقال رسل الله وأنبياؤه: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [إبراهيم: ١٢]، فالعبد آفته إمَّا من عدم الهداية، وإمّا من عدم التّوكُّل، فإذا جمع التوكُّل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كلَّه.

نعم، التوكُّل على الله في معلوم الرِّزق المضمون، والاشتغالُ به عن التّوكُّل في نصرة الحقِّ والدِّين= من أوهى منازل الخاصَّة. أمَّا التوكُّل عليه في حصول ما يحبُّه ويرضاه فيه وفي الخلق، فهذا توكُّل الرُّسل والأنبياء، فكيف يكون من أوهى منازل الخاصَّة؟!

قوله: (لأنَّ الحقَّ قد وكل الأمور إلى نفسه، وأيأس العالم من ملك شيءٍ منها).

جوابه (١): أنَّ الذي تولَّى ذلك أسند (٢) إلى عباده كسبًا وفعلًا وإقدارًا واختيارًا وأمرًا ونهيًا ما استعبدهم به، وامتحن به من يطيعه ممَّن يعصيه، ومن يُؤْثره ممَّن يؤثر عليه. وأمرهم بتوكُّلهم عليه فيما أسنده إليهم وأمرهم به وتعبَّدهم به. وأخبر أنَّه يحبُّ المتوكِّلين عليه، كما يحبُّ الشاكرين، وكما يحبُّ المحسنين، وكما يحبُّ الصّابرين (٣). وأخبر أنَّ كفايته لهم مقرونةٌ بتوكُّلهم عليه، وأنَّه كافي مَن توكَّل عليه وحَسْبُه.


(١) أي الجواب عن كون ذلك دليلًا على ما ادعاه مِن وَهْيِ منزلة التوكل عند الخاصة.
(٢) ش: «أن الله تولى ذلك وأسند».
(٣) زاد في ع: «وكما يحب التوابين».

<<  <  ج: ص:  >  >>