للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: لمَّا كان الأمر كلُّه لله عزَّ وجلَّ، وليس للعبد فيه شيءٌ البتَّة= كان توكُّله على الله تسليمَ الأمر إلى من هو له، وعزلَ نفسه عن منازعات مالكه، واعتمادَه عليه فيه، وخروجَه عن تصرُّفه بنفسه وحوله وقوَّته وكونه به إلى تصرُّفه بربِّه وكونه به سبحانه دون نفسه. وهذا مقصود التوكُّل.

وأمَّا عزل العبد نفسه عن مقام التوكُّل، فهو عزلٌ لها عن حقيقة العبودية.

وأمّا توجُّه الخطاب به إلى العامَّة، فيا سبحان الله! هل خاطب الله بالتوكُّل في كتابه إلا خواصَّ خلقه، وأقربهم إليه، وأكرمهم عليه؟ وشرط في إيمانهم أن يكونوا متوكِّلين، والمعلَّق على الشرط عدمٌ عند عدمه، وهذا يدلُّ على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكُّل، فمن لا توكُّل له لا إيمان له، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣]. وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: ١٢٢].

وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: ٢]. وهذا يدلُّ على انحصار المؤمنين فيمن كان بهذه الصِّفة.

وأخبر عن رسله بأنَّ التوكُّل ملجؤهم ومعاذهم. وأمر به رسوله في أربع (١) مواضع من كتابه (٢). فكيف يكون من أوهى السُّبل وهذا شأنه؟


(١) كذا في النسخ، على تقدير: أربع آيات.
(٢) يشير المؤلف إلى الآيات الأربع التي ذكرها في مطلع باب التوكل (ص ٣٨١)، وهي: آل عمران: ١٥٩، النساء: ٨١، الفرقان: ٥٨، النمل: ٧٩. وهناك آيات أخرى أمر الله فيها رسوله بالتوكل، كقوله تعالى في خاتمة هود: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، وقوله في مطلع الأحزاب: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}، وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>