للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا من أحسن الكلام وأنفعه للمريد، فإنَّ الطلب من الخلق في الأصل محظور، وغايته أن يباح للضرورة كإباحة الميتة للمضطرِّ، ونصَّ أحمد - رضي الله عنه - على أنَّه لا يجب (١). وكذلك كان شيخنا يشير إليه؛ أنَّه لا يجب الطلب والسُّؤال (٢).

وسمعته يقول في السُّؤال: «ظلمٌ في حقِّ الربوبيَّة، وظلمٌ في حقِّ الخلق، وظلمٌ في حقِّ النفس.

أمَّا في حقِّ الربوبية فلِما فيه من الذُّلِّ لغير الله، وإراقة ماء الوجه لغير خالقه، والتعوُّض عن سؤاله بسؤال المخلوقين.

وأمَّا في حقِّ الناس فبمنازعتهم ما في أيديهم بالسُّؤال واستخراجه منهم. وأبغض ما إليهم من يسألهم، وأحبُّ ما إليهم من لا يسألهم، فإنَّ أموالهم محبوباتهم، ومن سألك محبوبك تعرَّض لمقتك وبغضك.

وأمَّا في ظلم السَّائل لنفسه (٣): حيث امتهنها وأقامها في مقام ذلِّ السُّؤال، ورضي لها بذلِّ الطّلب (٤) وأهانها بذلك، ورضي أن يكون شحَّاذًا من شحَّاذٍ مثله، فإنَّ من تشحذه فهو أيضًا شحَّاذ مثلك، واللهُ وحده هو الغنيُّ، فسؤال


(١) أي: لا يجب سؤال الناس عند الضرورة، مع إيجابه - رحمه الله - الأكلَ من الميتة عند الضرورة.
(٢) انظر: «الرد على البكري» (ص ١٩٠) و «جامع المسائل» (٤/ ٣٥٨).
(٣) ع: «وأما ظلمُ السائل نفسَه فلأنه».
(٤) زيد في ع: «ممن هو مثله أو لعل السائل خيرًا (كذا) منه وأعلى قدرًا، وترك سؤال من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فقد أقام السائل نفسه مقام الذل».

<<  <  ج: ص:  >  >>