للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلةٌ غير الصبر. وأمَّا صبره عن المعصية، فصبرُ اختيارٍ ورضًا ومحاربةٍ للنفس، ولا سيَّما مع الأسباب التي يقوى معها داعي المواقعة (١)، فإنَّه كان شابًّا وداعية الشباب إليها قويَّةٌ، وعزبًا ليس له ما يعوِّضه ويبرِّد شهوته، وغريبًا والغريبُ لا يستحيي في بلد غربته ممَّا يستحيي منه بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكًا والمملوكُ أيضًا ليس وازعه كوازع الحرِّ؛ والمرأةُ جميلة وذات منصبٍ وهي سيِّدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشدَّ الحرص، ومع ذلك توعَّدته إن لم يفعل بالسِّجن والصَّغار؛ ومع هذه الدواعي كلِّها صبر اختيارًا وإيثارًا لما عند الله. وأين هذا من صبره في الجبِّ على ما ليس من كسبه؟! (٢)

وكان يقول: الصبر على أداء الطاعات أكملُ من الصبر عن (٣) اجتناب المحرَّمات وأفضل، فإنَّ مصلحة فعل الطاعة أحبُّ إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدةَ عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية. وله في ذلك مصنَّفٌ قرَّره فيه بنحوٍ من عشرين وجهًا (٤)، ليس هذا


(١) ج، ن، ع: «الموافقة».
(٢) انظر: «مجموع الفتاوى» (١٥/ ١٣٨ - ١٣٩، ١٧/ ٢٤ - ٢٥) و «جامع المسائل» (٥/ ٢٥٧). وانظر: «عدَّة الصابرين» للمؤلف (ص ٥٩).
(٣) كذا في النسخ، ودخوله على «اجتناب» يقلب المعنى المراد.
(٤) هي مطبوعة ضمن «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٨٥ - ١٥٨) على نقص في آخرها، وفي القدر الموجود اثنان وعشرون وجهًا. وقد ذكر المؤلف عشرين وجهًا في «عُدَّة الصابرين» (ص ٦٦ - ٧٦)، وثلاثة وعشرين في «الفوائد» (ص ١٧١ - ١٨٥)، وتوسَّط في «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٩٩) فقال: «وفصل النزاع في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية، فالصبر على الطاعة المعظمة الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة».

<<  <  ج: ص:  >  >>