للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض العارفين: من يتوكَّل على الله ويرضى (١) بقدر الله، فقد أقام الإيمان، وفرَّغ يديه ورجليه لكسب الخير، وأقام الأخلاق الصالحة التي تُصلح للعبد أمرَه (٢).

الخمسون: أن الرِّضا يفتح باب حسن الخلق مع الله ومع الناس، والسخط يفتح باب سوء الخلق مع الله ومع الناس، فإنَّ حسن الخلق من الرِّضا وسوء الخلق من السخط. وحسن الخلق يبلغ بصاحبه درجةَ الصائم القائم (٣)، وسوء الخلق يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

الحادي والخمسون: أنّ الرِّضا يثمر سرورَ القلب بالمقدور في جميع الأمور، وطيبَ النفس وسكونها في كلِّ حالٍ، وطمأنينةَ القلب عند كلِّ مفزعٍ مَهْلَعٍ من أمور الدُّنيا، وبردَ القناعة، واغتباطَ العبد بقَسْمه من ربِّه، وفرحَه بقيام مولاه عليه، واستسلامَه لمولاه في كلِّ شيءٍ، ورضاه منه بما يجريه عليه، وتسليمَه له الأحكام والقضايا، واعتقادَ حسن تدبيره وكمالِ حكمته؛ ويُذهب عنه شكوى ربِّه إلى غيره وتبرُّمَه بأقضيته. ولهذا سمَّى بعض العارفين الرِّضا: حسن الخلق مع الله (٤)، فإنَّه يوجب ترك الاعتراض عليه في ملكه، وحذفَ فضول الكلام التي تقدح في حسن خلقه، فلا يقول: ما أحوجَ الناسَ إلى مطرٍ! ولا يقول: هذا يومٌ شديد الحرِّ وشديد البرد، ولا يقول:


(١) كذا في النسخ مرفوعًا غير مجزوم، تبعًا للمصدر المنقول منه.
(٢) «قوت القلوب» (٢/ ٤٠) ونسبه إلى لقمان أيضًا.
(٣) إشارة إلى حديث عائشة مرفوعًا: «إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم». وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه (٣/ ٢٩).
(٤) «قوت القلوب» (٢/ ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>