للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِيًّا} [مريم: ٥٠]. والمراد باللِّسان هاهنا: الثناء الحسن، فلمَّا كان (١) باللِّسان وهو محلُّه عَبَّر به عنه (٢). فإنَّ اللِّسان يراد به ثلاثة معانٍ: هذا، واللُّغة كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤]، وقوله: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: ٢٢]، وقوله: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣]، ويراد به الجارحة نفسها كقوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: ١٦].

وأمَّا قدم الصِّدق: ففسِّر بالجنَّة، وفسِّر بمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وفسِّر بالأعمال الصالحة (٣). وحقيقة القدم ما قدَّموه، ويَقْدَمون عليه يوم القيامة. وهم قدَّموا الأعمال والإيمان بمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ويَقْدَمون على الجنَّة التي هي جزاء ذلك، فمن فسَّره بها أراد ما يَقْدَمون عليه. ومن فسَّره بالأعمال وبالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلأنَّهم قدَّموها وقدَّموا الإيمان به بين أيديهم. فالثلاثة قَدَمُ صدقٍ.

وأمَّا مقعد الصِّدق: فهو الجنة عند الربِّ تبارك وتعالى.

ووصفُ ذلك كلِّه بالصِّدق مستلزمٌ ثبوته واستقراره، وأنَّه حقٌّ، ودوامَه، ونفعَه، وكمالَ عائدته؛ فإنَّه متَّصلٌ بالحقِّ سبحانه، كائنٌ به وله، فهو صدقٌ غير كذبٍ، وحقٌّ غير باطلٍ، ودائمٌ غير زائلٍ، ونافعٌ غير ضارٍّ، وما للباطل ومتعلَّقاته إليه سبيلٌ ولا مدخل.


(١) «كان» أي: الثناء.
(٢) السياق في ع: «فلما كان الصدق باللسان وهو محلُّه أطلق الله ألسنة العباد بالثناء على الصادق جزاءً وفاقًا، وعبَّر به عنه».
(٣) انظر: «تفسير الطبري» (١٢/ ١٠٨ - ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>