للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا نظر، لأنَّ كراهته لاطِّلاع الناس على مساوئ عمله من جنس كراهته للضرب والمرض وسائر الآلام، وهذا أمرٌ جبليٌّ طبعيٌّ، ولا يخرج صاحبه عن الصِّدق، لاسيَّما إذا كان قدوةً متَّبعًا، فإنَّ كراهته لذلك من علامات صدقه، لأنَّ فيها مفسدتين: مفسدةَ ترك الاقتداء به واتِّباعه على الخير وتنفيذه، ومفسدةَ اقتداء الجهَّال به فيها. فكراهته لاطِّلاعهم على مساوئ عمله لا تنافي صدقه، بل قد تكون من علامات صدقه.

نعم، المنافي للصِّدق: أن لا يكون له مرادٌ سوى عمارة حاله عندهم، وسكناه في قلوبهم تعظيمًا له (١). فلو كان مراده ذلك تنفيذًا لأمر الله، ونشرًا لدينه (٢)، ودعوةً إلى الله= فهذا الصَّادق حقًّا، والله يعلم سرائر القلوب ومقاصدَها (٣).

وقال بعضهم: من لم يؤدِّ الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقَّت.


(١) بنحوه قال الحارث نفسه في «الرعاية» (ص ٢٧٩)، قال: «الصادق إذا بُلي بالذنب تستَّر لذلك حياءً لغير طلب الرياء، ولِما جاء عن الله أنه لا يحب إظهار المعاصي ... والمرائي إنما يستر ذلك ليُحمَد على الورع وليس بورِع».
(٢) زاد في ع: «وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر».
(٣) زاد في ع: «وأظن أن هذا هو مراد المحاسبي بقوله: (ولا يكره اطلاع الناس على السيئ من عمله عندهم)، فإنهم يرون ذلك فضولًا ودخولًا فيما لا يعني، فرضي الله عن أبي بكر الصديق حيث قال: (لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، واللهِ لو منعوني عناقًا ــ أو عقالًا ــ كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه)، فهذا وأمثاله يعدونه ويرونه من سيئ الأعمال عند العوام والجهال». والظاهر أنها حاشية لبعضهم دخلت في المتن خطأً. والغريب إثباته في طبعة الصميعي، ولم ينتبه المحقق أنه ليس في نسخة حلب (ل) التي اتخذه أصلًا ولا في نسخة شستربيتي (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>