للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب أن يقال: من أحالك على الحال فما أنصفك! فإنَّه أحالك على أمرٍ مشتركٍ بين الحقِّ والباطل، فإنَّ كلَّ من اعتقد شيئًا وطلبه طلبًا صادقًا، واستفرغ وسعه في الوصول إليه، كان له لا محالة فيه حالٌ ليست لغيره بحسب صدقه في طلبه وجمع همَّته وقصده عليه. وهذا يكون للأبرار والفجَّار، بل لأولياء الله وأعدائه، فكونُ الرجل له شهودٌ بمشهوده وحالٌ في طلبه لا يوجب كونه حقًّا ولا باطلًا. فإنَّ كلَّ من اعتقد عقيدةً، وارتاض وصقل قلبَه بأنواع الرِّياضة، وجزم بما اعتقده= تجلَّى له صورة معتقده في عالم نفسه، فيظنُّ ذلك كشفًا صحيحًا. وإن كان صادقًا في طلبه وحبِّه لما اعتقده كان له فيه حالٌ وتأثيرٌ بحسبه، فالحوالة على الحال حوالة مفلسٍ من العلم على غير مليءٍ به. ومن هاهنا دخل الداخل على أكثر السالكين وانعكس سيرهم، حيث أحالوا العلم على الحال وحكَّموه عليه.

وسير أولياء الله وعباده الأبرار والمقرَّبين بخلاف هذا. وهو إحالة الحال على العلم، وتحكيمُه عليه وتقديمُه، ووزنه به وحكُّه (١) به. فإن وافقه العلم، وإلَّا كان حالًا فاسدًا منحرفًا عن أحوال الصدِّيقين بحسب بُعده عن العلم. فالعلم حاكمٌ والحال محكومٌ عليه، والعلم راعٍ والحال من رعيَّته. فمن لم يكن هذا أصلَ بناءِ سلوكه فسلوكُه فاسد، وغايته الانسلاخ من العلم والدِّين، كما جرى ذلك لمن جرى له. وبالله المستعان.


(١) تصحَّف في ج، ع وبعض المطبوعات إلى: «حكمه». ومعنى «حكُّه به» أي اختباره، كما يحكُّ الذهب ليُعرف أخالص هو أم بهرج. قال المؤلف في «الصواعق» (٢/ ٦٧٨): «فهلموا نضعِ الشبهاتِ جميعَها في الميزان ونحكَّها على المحكِّ يتبين أنها زغل وزيف».

<<  <  ج: ص:  >  >>