للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - واستمع قراءته، وقال: «لقد اُوتي هذا مِزمارًا من مزامير آل داود» (١). وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يأمره إذا حضر عنده مع الصحابة أن يُسمِعهم قراءتَه، فيقرأ وهم يسمعون (٢)، هذا كان سماع القوم، فمَن حرَّم هذا السماع أو مَن كرهه؟ وهل هذا إلّا سماع خواصّ الأولياء؟ فأين هذا من سماع المكاء والتصدية، وقرآنِ الشيطان، وآلاتِ المعازف بنغمات الشاهد؟ فلابد للروح من سَماع طيِّب تتغذَّى به، ولكن لا يستوي مَن غذاؤه العسلُ والحلوى والطيبات، ومَن غذاؤه الرجيعُ والميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله. ويا عجبًا إن كان أهل هذا الغذاء لا يرون آثاره على شِفاههم ووجوههم! أفلا يستحيون من معاينة أرباب البصائر ذلك عليهم؟

والمقصود أن رسوم الطبيعة وقواها لا يمكن تعطيلُها في دار الابتلاء والامتحان، فالبصير العارف يستعملها في مواضعها النافعة له، التي لا تُحرِّم عليه دينًا، ولا تَقطع عليه طريقًا، ولا تُفسِد عليه حالَه مع الله، ولا تُسْقِطه من عينه.

وهذا الفصل من أنفع فصول الكتاب لمن هو معتن (٣) بهذا الشأن، وعاملٌ على صلاح قلبه وتزكية نفسه. وإنما دخل الداخل حيث ظنَّ أن تزكية


(١) أخرجه البخاري (٥٠٤٨) ومسلم (٧٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه الدارمي (٢/ ٤٧٢) وابن سعد في «الطبقات» (٤/ ١٠٩) وابن حبان (٧١٩٦) من طرق عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن به. وهو مرسل، أبو سلمة لم يسمع من عمر.
(٣) ل: «معتني».

<<  <  ج: ص:  >  >>