للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثيرٌ من النّاس (١) يتعلّم المروءة ومكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها. رُئي عند بعض الأكابر مملوكٌ سيِّئ الخلق فظٌّ (٢) غليظٌ لا يناسبه، فسُئل عن ذلك، فقال: أدرسُ عليه مكارمَ الأخلاق.

وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق من ضدِّ أخلاقه، ويكون بتمرين النّفس على مصاحبته ومعاشرته والصّبرِ عليه.

الدّرجة الثّالثة: المروءة مع الحقِّ سبحانه، بالاستحياء من نظرِه إليك، واطِّلاعِه عليك في كلِّ لحظةٍ ونفسٍ، وبإصلاح عيوب نفسك جهدَ الإمكان، فإنّه قد اشتراها منك، وأنت سَاعٍ في تسليم المبيع وتقاضي الثّمن، وليس من المروءة: تسليمه على ما فيه من العيوب وتقاضي الثّمنِ كاملًا، ورؤيتِك (٣) شهودَ مننِه في هذا الإصلاح، وأنّه هو المتولِّي له لا أنت؛ فيُفْنِيك (٤) الحياء منه عن رسوم الطّبيعة، والاشتغالُ بإصلاح عيوب نفسك عن التفاتك إلى عيب غيرك، وشهودُ الحقيقة عن رؤية فعلك وإصلاحك.

وكلُّ ما تقدّم في منزلة الخُلق والفُتوّة فإنّه بعينه في هذه المنزلة، فلذلك اقتصرنا منها على هذا القدر. وصاحب «المنازل» - رحمه الله - استغنى عنها بما ذكره في الفتوّة. والله أعلم.

* * * *


(١) ل: «الخلق».
(٢) ل: «فض».
(٣) ل: «ورؤية». وسياق الكلام: «المروءة مع الحق بالاستحياءِ ... وبإصلاح عيوب نفسك ... ورؤيتك ... »
(٤) ل: «فيقيمك».

<<  <  ج: ص:  >  >>