للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الصِّفة بالرّبِّ تعالى البتّة، وأمّا تعلُّقها بالخَلق فصحيحٌ.

نعم، هاهنا مقام اشتباهٍ وفرقٍ، وهو أنّ المحبّ الصّادق لا بدَّ أن يقارِنَه أحيانًا فرحٌ بمحبوبه، ويشتدّ فرحُه به، ويرى مواقعَ لطفِه به، وبرِّه به، وإحسانِه إليه، وحُسن دفاعه عنه، والتّلطُّف في إيصال المنافع والمَسَارّ والمَبَارّ إليه بكلِّ طريقٍ، ودَفْع المضارِّ والمكاره عنه بكلِّ طريقٍ. وكلّما فتّش على ذلك اطّلع منه على أمورٍ عجيبةٍ، لا يقفُ وهمه وتفتيشُه (١) لها على غايةٍ، بل ما خفي عنه منها أعظم. فيداخلُه من شهود هذه الحالة نوعُ إدلالٍ وانبساطٍ، وشهود نفسه في منزلة المراد المحبوب. ولا يَسلَم من آفة ذلك إلّا خواصُّ العارفين.

وصاحب هذا المقام نهايتُه أن يكون معذورًا، وما يبدو منه من أحكامه بالشَّطحات أليقُ منه بأحكام العبوديّة.

ولم يكن لأحدٍ من البشر في منزلة القرب والكرامة والحظوة والجاه ما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ربِّه، فكان أشدَّ الخلق لله خشيةً وتعظيمًا وإجلالًا، وحالُه كلُّها مع الله تشهد بتكميل العبوديّة. وأين درجة الانبساط من المخلوق من التُّراب، إلى الانبساط مع ربِّ الأرباب؟

نعم لا يُنكِر فرحةَ القلب بالرّبِّ تعالى وسرورَه به، وابتهاجَه به، وقرّةَ عينه ونعيمه بحبِّه، والشّوقَ إليه: إلّا كثيفُ الحجاب، حَجَريُّ الطِّباع. فلا بهذا المَيَعان (٢)، ولا بذاك الجمود والقسوة.


(١) ل: «ومقتبسه».
(٢) لم أجد هذا المصدر في المعاجم، والفعل ماعَ، أي ذاب وسال.

<<  <  ج: ص:  >  >>