للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التّوبة والاستغفار، لأنّ ذلك القبض نتيجة جِنايةٍ أو جَفْوةٍ لا يَشعُر بها.

والثّاني: الاستسلام، حتّى يمضي عنه ذلك الوقت، ولا يتكلّف دفعَه، ولا يستقبل وقته مغالبةً وقهرًا، ولا يطلب طلوعَ الفجر في وسط اللّيل، وليرقُدْ حتّى يمضيَ عامّة اللّيل، ويحينَ طلوعُ الفجر وانقشاعُ ظلمةِ اللّيل. بل يصبر حتّى يهجُم عليه الوقت، ويزول القبضُ، فالله يقبض ويبسط.

وكذلك إذا هجم عليه واردُ البسط: فليحذَرْ كلَّ الحذر من الحركة والاهتزاز، ولْيُحرِزْه بالسُّكون والانكماش والاستقرار وتلقِّيه بالثبات، فإنَّ في هذا الوقت عليه خطرًا عظيمًا، فليحذَرْ مكرًا خفيًّا. فالعاقل يقف على البساط، ويحذَر من الانبساط، وهذا شأن عقلاء أهل الدُّنيا ورؤسائهم: إذا ما ورد عليهم ما يَسُرُّهم ويُبسِّطهم ويُهيِّج أفراحَهم قابلُوه بالسُّكون والثّبات والاستقرار، حتّى كأنّه لم يهجم عليه (١). وقال كعب بن زهيرٍ في مدح الأنصار (٢):

ليسوا مَفاريحَ إن نالتْ رماحهُمُ ... قومًا وليسُوا مَجازيعًا إذا نِيلُوا (٣)

قال (٤): (الدّرجة الثّالثة: ذهولٌ مع صحبةِ الاستقامة، وملازمةُ الرِّعاية على تهذيبِ الأدب).


(١) كذا في الأصول بدل «عليهم».
(٢) كذا في النسخ. وغيَّره في المطبوع إلى «المهاجرين». والبيت في مدح المهاجرين، وله قصيدة رائية أخرى في مدح الأنصار.
(٣) من قصيدته «بانت سعاد» في «ديوانه» (ص ٢٥). ومفاريح: جمع مِفراح، ومجازيع: جمع مِجْزاع، صيغة مبالغة من الفرح والجزع.
(٤) «المنازل» (ص ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>