للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك قول مؤمني الجنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الجن: ١٠]، ولم يقولوا (١): «أراده بهم». ثمّ قالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}.

وألطف من هذا قول موسى عليه السّلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤]، ولم يقل: «أطعِمْني».

وقول آدم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣]، ولم يقل: «ربِّ قدَّرتَ عليّ وقَضيتَ عليّ».

وقول أيُّوب عليه السّلام: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣]، ولم يقل: «فعافِني واشْفِني».

وقول يوسف عليه السلام لأبيه وإخوته: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِيَ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف: ١٠٠]، ولم يقل: «من الجبِّ»، حفظًا للأدب مع إخوته، وتفتِّيًا عليهم أن لا يُخجِلَهم بما جرى في الجبِّ. وقال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} ولم يقل: «رفع عنكم جهدَ الجوع والحاجة» أدبًا معهم. وأضاف ما جرى إلى السّبب، ولم يُضِفه إلى المباشر الذي هو أقربُ إليه منه، فقال: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}، فأعطى الفتوّة والكرم والأدب حقّه. ولهذا لم يكن كمال هذا الخلق إلّا للرُّسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

ومن هذا أَمْر النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرّجلَ أن يستُرَ عورتَه، وإن كان خاليًا لا يراه


(١) ل: «ولم يقل».

<<  <  ج: ص:  >  >>