غَلَت النّصارى في المسيح، ولا يجفُوَ عنهم كما جَفَت فيهم اليهود. فالنّصارى عبدوهم، واليهود قتلوهم وكذّبوهم. والأمّة الوسط آمنوا بهم، وعزّروهم ونصروهم، واتّبعوا ما جاؤوا به.
ومثال ذلك في حقوق الخلق: أن لا يُفرِّط في القيام بحقوقهم، بحيث يشتغل بها عن حقوق الله، أو عن تكميلها، أو عن مصلحة دينه وقلبه، وأن لا يَجْفُو عنها حتّى يعطِّلها بالكلِّيّة، فإنّ الطّرفين من العدوان الضّارِّ. وعلى هذا الحدِّ فحقيقة الأدب هو العدل.
فصل
قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ، الدّرجة الأولى: منع الخوف أن يتعدّى إلى الإياس، وحبسُ الرّجاء أن يخرج إلى الأمن، وضبطُ السُّرور أن يُضاهِي الجرأة).
يريد: أنّه لا يَدَعَ الخوف يُفضِي به إلى حدٍّ يُوقِعه في القنوط واليأس من رحمة الله. فإنّ هذا خوفٌ مذمومٌ.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: حدُّ الخوف ما حَجَزَك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك فهو غير محتاجٍ إليه.
وهذا الخوف المُوقِع في الإياس: إساءة أدبٍ على رحمة الله التي سبقتْ غضبَه، وجهلٌ بها.
وأمّا (حبسُ الرّجاء أن يخرج إلى الأمن): فهو أن لا يبلغ به الرّجاء إلى